دراستهما، وبلغوا فيهما ذروة عالية يحسدهم عليها الكثيرون.
لا أعرف شاعراً أو شاعرة قبل زرقاء اليمامة نظم شعراً وضمنه مسألة حسابية. ومما لاشك فيه أنها لم تكن تقصد وضع معضلة رياضية في قالب شعري، إنما جل ما في الأمر أنها كانت حادة البصر، وقد رأت سربا من الطيور، فرغبت في وضع عدده شعراً. وأرجح أن إيجاد العدد يحتاج إلى عملية حسابية يعجز عنها الكثيرون من فحول الشعراء وكبار الأدباء، أما الأبيات فهي:
ليت الحمام ليه ... ونصفه قديه
إلى حمامتيه ... صار الحمام ميه
والمعنى المقصود من هذين البيتين أنه إذا أضيف إلى هذا السرب نصفه وحمامة واحدة لكان حاصل الجمع مئة، فإذا أخذت الحمامة كان الباقي تسعاً وتسعين، وهذا العدد يعدل عدد الحمام ونصفه، أي أن عدد الحمام ست وستون. وقد علق النابغة الذبياني على هذه الأبيات، ويظهر منها أنه يعرف عدد الطيور مع أنه لم يذكر ذلك صراحة. قال النابغة:
أحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثمد
يحفه جانباً نيق وتتبعه ... مثل الزجاجة لم تكمل من الزمد
قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما زعمت ... تسعاً وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
وإذا اطلعت على ديوان أبي نؤاس وقد غمره الحب والخمر واستوليا عليه ودخلا في كل أعماله الصغيرة والكبيرة، أقول إذا اطلعت على ديوانه العجيب الغريب وجدت فيه بعض أبيات أشار فيها إلى تقسيم قلبه بين جنان حبيبته والساقي والعشاق تقسيماً حسابياً غريباً في بابه تقسيمات أبي نؤاس:
جنان حصلت قلبي ... فما إن فيه من باق
لها الثلثان من قلبي ... وثلثا ثلثه الباقي
وثلثا ثلث ما يبقى ... وثلث الثلث للساقي
فتبقى أسهم ست ... تجزأ بين عشاق