الدنيا حر! والكلام في الفلسفة، وفي وحدة الوجود كما يفهمها الأستاذ الفاضل، معروف الرصافي، يزيد رهق هذا الصيف القاهري القائظ، والناس لهذا السبب محتاجون إلى ما يسليهم لا إلى ما يكربهم، ويؤجج الدنيا من حولهم، ويزيدها سموماً إلى سموم. . .
إلا أننا مع ذاك لا نرى بدا من العودة إلى هذه القضية، قضية الأستاذ الفاضل، معروف الرصافي، أو قضية وحدة الوجود، مكرهين، بعد إذ حسبنا أننا قلنا فيها الكلمة الأخيرة، أو كلمتنا نحن الأخيرة على أقل تقدير. . .
فأستاذنا الفاضل المحبوب (نقولا الحداد) يتفضل فيشرف هذه القضية بالاشتراك فيها، في حيز خاص، ويلاحظ أننا لم نورد تعريفا لنظرية وحدة الوجود، ولا اقتبسنا هذا التعريف عن كتاب الرصافي (إن كان الرصافي قد عرفها) ثم قال حفظه الله إن مقالنا الثالث زاد النظرية غموضاً، بل جعلها (تغيب وراء سحب تلك الفلسفات السفسافية التي يعجز القارئ عن أن يحصل منها معنى معقولا). ثم أخذ الأستاذ الجليل يفيض علينا بعد ذلك من علمه الغزير الذي طالما انتفعنا به، شارحاً رأيه، أو رأى العلم الحديث، في نشأة الخليقة، مما لا نعرض له هنا بخير أو شر. . . لأن الدنيا حر، كما بدأنا هذه الكلمة، ولأن الرجل الذي لا يعترف بالوجود إلا للمادة، ويقرر أنه ليس وراء الطبيعة شيء. . . وأنها - أي الطبيعة - هي كل شيء وأنه يعتبر مسألة نسبة الله إلى الوجود، أو نسبة الوجود إلى الله مسألة فقهية لاهوتية لا يتعرض لها بتاتا. . . ذلك الرجل الفاضل الذي يقول هذا جازماً به غير متردد فيه، لا بد أن يكون بطل هذا الموضوع. والبطولة في هذه الموضوعات الشوائك تفتح أبوابا ليس في فتحها خير لأحد، لأنها تفضي إلى مجادلات فارغة، وتولد خصومات مرة. بل ربما أحدثت فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة
ونحب أن نوضح موقفنا في هذه القضية التي ابتلانا بها الأستاذ الفاضل معروف الرصافي، كي يقتصد بعض كتابنا الإجلاء، وأدبائنا المحترمين، فلا يحرفوها عن مواضعها، ولا يبعدوا بها عما أردنا أن نحصرها فيه. فقد ألف الأستاذ الرصافي كتابه تعليقاً على كتابي صديقنا الأعز الدكتور زكي مبارك: التصرف الإسلامي والنثر الفني، ثم تعليقا على كتاب