للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأخلاق الديكارتية]

بمناسبة مرور ٣٠٠ سنة على وفاة الفيلسوف ديكارت

ديكارت فيلسوف، حظه في الفلسفة رحب الجوانب مترامي الأطراف، وله من الالمام بالتراث الفلسفي القديم نصيب موفور. فقد أحاط خبرا بسابقيه إحاطة تختلف سعة وضيقا، ومع هذا كله فله مذهبه الخاص به في كل ضرب من ضروب الفلسفة. إذ الفيلسوف الحق إنما تخلد آثاره لا بما فهم وهضم من تراث ماضية فحسب، بل بما أضاف من جهد له قيمتة إلى هذا الماضي إضافة من شأنها أن تجعل المذهب الفلسفي كالكائن الحي له صفات النمور والنشور

هكذا كان ديكارت، فإن له لآثاره وابتكاره اللذين تميز بهما ولا سيما فيما نحن بصدده أي الأخلاق ولا بأس من عرض سريع للتعرف على ميزة الأخلاق عند القدامى قبل استيضاح معالم الأخلاق عند ديكارت.

نعم كان علم الأخلاق عند القدامى عمليا يفترض إحاطة تامة بشتى ضروب المعرفة من الطبيعة وما وراءها، والسيكولوجيا وغيرها، فسقراط يقول (اعرف نفسك بنفسك) وينشد أفلاطون (العدالة) النفسية ليبني عليها العدالة السياسية، ويقيم أرسطو بنيان أخلاقه على علم النفس، ولا يشذ عن أستاذه في نشدان (الفضيلة التي ليست شيئا آخر غير الوسط العل بين طرفين) فهم ثلاثتهم يقصدون إلى (الخير) كما عند سقراط، أو (السعادة) كما عند أفلاطون، أو (الحكمة) عند أرسطو.

وعلى هذه الوثيرة سار التابعون لفلاسفة اليونان والآخذون عنهم من رواقيين وغير رواقيين وامتد الشعاع من الرواقية حتى وصل إلى ديكارت فتلمسه ثم تآثر به سلبيا وإيجابيا.

وإذا أحس ديكارت بضرورة الحاجة إلى إتمام صرحه الفلسفي كان لابد له من أن يصنف العلوم تصنيفا هو بمثابة الهيكل أضلاعه مرتبه على جوانبه، فقد ارتأى أن العلم شجرة جذورها الميتافيزيقا، وجذعها الفيزيقا، وفروعها الطب والميكانيكا والأخلاق، وهو آخر مراتب الحكمة والعلوم لانه يتطلب البحث والإحاطة التامة بكل ضروب العرفان، فهو لذلك أعتقد العلوم، أما وقد جد في الطبيعيات والميكانيكا والطب ولم ينته بعد من هذين الاخيرين

<<  <  ج:
ص:  >  >>