كثر في هذه الأيام حديث الريف وإصلاح الريف لكثرة الرائفين من الحضريين الذين رهبوا الغارات في المدن فالتمسوا الأمان في القرى، ثم هربوا من أمان القرية إلى مخاوف المدينة، وهم الرابحون!
ومنذ عام أو قرابة عام سمعنا من يسأل:(أليس الأجدى على الفلاح أن تطعمه وترفه عنه بهذه الأموال التي تنفقها على تعليمه إلزاماً وهو مفتقر إلى الطعام النافع والماء النظيف)؟
وقال لي زميل في مجلس النواب ممن يملكون عشرات الألوف من الأفدنة وقد رأى اهتمام فريق من النواب بنشر التعليم:(ما هذا التعليم الإلزامي الذي تحسبونه خيرا وبركة على الفلاحين؟ إن هؤلاء الفتيان الذين ينتشرون في القرى لتعليم أبنائها لا يعلمونهم إلا الحذلقة وفتنة البطالة. . . وأقسم ما عرفت أنا أن للجورب حمالة إلا من هؤلاء الفارغين المتبطلين الذين يقضون الساعات في التصدي للغاديات الرائحات. . . ثم تنظر إلى أبن الفلاح فلا تراه قد أفاد منهم إلا الشوق إلى اليوم الذي يغدو فيه مثلهم لابس رباط في الرقبة وحمالة في الساق)!
قال لي الفلاح الكبير ذلك وهو يرى أن حمالة الجورب هي رمز الفساد الذي ينقله (هؤلاء الأولاد إلى أهل البلاد)
وأنا لا أقول إن التعليم الإلزامي هو التعليم المنشود للفلاح، ولا أقول إنه هو التعليم الذي يفسده ويشغله من المصالح والصالحات، ولكني أقول إن الإصلاح كله عبث ما لم يبدأ بإصلاح العقول والأذواق، وإن إرادة المصلح وحدها لن تحقق له ما يريده من الخير ما لم تقترن بإرادة المحتاجين إلى الإصلاح
عرض لي ما دعاني إلى البحث الطويل من ماء الشرب في الريف: كم من المساقي المرشحة أقامتها الحكومات المتعاقبة هناك؟ وكم منها أفاد وماذا أفاد؟ وكم من الفلاحين تعود النظافة في العيش بما تعوده من شرب الماء النظيف والاستحمام بالماء النظيف؟
فعلمت المضحكات المبكيات
كان المظنون أن المسقى المرشح لا يقام في القرية حتى يتهافت عليه أهلها وتتسابق القرى