للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحروب الصليبية]

للأستاذ ر. التميمي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

تطورات الحركة الصليبية

لقد كانت الغاية الأولى من اشتهار الحرب الصليبية امتلاك الأرض المقدسة وجعلها خاضعة لحكم مسيحي؛ فلما ظهر قواد كبار في الشرق الإسلامي أمثال: نور الدين وصلاح الدين، ورأوا مملكة اللاتين لم تنشأ في الشرق إلا بسبب تخاذل المسلمين وتفرقهم، أخذوا يستعدون لمطاردتهم والقضاء عليهم وهيأوا لذلك جيوشاً مدربة تطورت على أثرها الحركة الصليبية ودب الضعف في جنباتها وفي نفوس منظميها وقوادها.

ولقد تطرق إليها الفشل أيضاً حينما أخذ البابوات يقاتلون آل هوهن شتاوفن وينازعونهم الحكم في جنوب إيطاليا وشمالها، فتجزأت قواتهم وانصرف الجانب الأكبر من عملهم وتفكيرهم إلى إضعاف قوة مسيحية كان عليهم أن يوجهوها إلى تعزيزالفكرة الصليبية إذا أرادوا استمرارها. ويقول بعض المؤرخين إن لأطماع الجمهوريات الطليانية دخلاً كبيراً في التطورات التي طرأت على الفكرة الصليبية، إذ أن البنادقة كانوا السبب الأكبر في توجيه الحملة الرابعة إلى القسطنطينية وسائر ممتلكات البيزنطيين بدلاً من فلسطين وهم الذين كانوا يختلفون لأسباب مادية مع تجار جنوا فيضعفون باختلافهم الجبهة المسيحية. وقد أباحوا لأنفسهم التقرب من بعض ملوك المسلمين وأمرائهم، فعقدوا مثلاً معاهدة مع الملك الكامل بينما كان العالم الغربي يستعد للحملة الصليبية الخامسة.

لقد تكرر حادث عقد المعاهدات مع المسلمين أكثر من مرة، فعقدها كل من ملوك صقلية والأراغون وجمهورية جنوا قبيل سقوط عكا النهائي في يد سلطان مصر. كل ذلك أضعف الروح الصليبية وحور اتجاهها وخفف كثيراً من حدتها.

أضف إلى كل ما تقدم النزاع الشديد الذي كان قائماً بين رهبان طائفتي الداوية والاسبتالية وانصراف كل فريق إلى الحط من كرامة الآخر واتهامه بأفظع التهم تأميناً لمنافع مادية ليس لها أية علاقة بمجد الصليب والحركة الصليبية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>