تناول الأستاذ عبد العزيز عزت المذهب الرمزي في مقاله الأخير بالعدد (٢٥٥) من الرسالة (الغراء) فجاء بآراء تجعل القارئ يقف متسائلاً. . . ماذا يقصد الأستاذ عزت بهذا؟! هل يقصد الرمزية في الفلسفة أم يقصد الرمزية في الأدب والشعر؟ فأن كان يقصد الأولى فأنه لم يحدد غرضه، لأن ما ساقه من آراء العلامة مارتينو في كتابه (المذهب الرمزي والبرناس)(إننا نجد عند فولين وعند ملارميه وعند رامبو وكثير من الرمزيين أن الشيء الواقع وقبوله حاضراً كان أم ماضياً لا قيمة له مطلقاً) وليس في هذا إشارة إلى رمزية في الفلسفة. إذن فالأستاذ يقصد رمزية الأدب والشعر وهو ما يفهم من ثنايا مقاله ومن الأمثلة التي ساقها وأسماء زعماء الرمزية الذين ذكرهم. ومن العجيب أن يخلط الأستاذ في الاستشهاد والرد والتجريح هذا الخلط الذي يبعده عن خاصّية تحديد الموضوع تلك الخاصّية التي يتوخاَّها كل دارسٍ للفلسفة مثل الأستاذ الفاضل.
فالمعروف أن الفلسفة شيء والشعر والأدب شيءُ آخر. وأن المذاهب الفلسفية غير المذاهب الأدبية وان كان التفاعل متصلاً بين هذه وتلك، ولكن عن طريق الاحتكاك والتأثير لا عن طريق الاندماج؛ فلكلٍ ميدانه ومنطقته. فالفلسفة مظهر نشاط التفكير العقلي؛ وأما الآداب والشعر فمظاهر لانفعالات الحسّ وهواجس الروح.
فما شأن آراء أوجست كونت (في كتبه المتعددة عن الفلسفة الوضعية والتفكير الوضعي برمزية الأدب والشعر؟! وما شأن رأي أبي الاجتماع الحديث (دوركيم) في العلم برمزية الأدب والشعر؟! وما كانت الرمزية التي تناولها الأستاذ مذهباً من مذاهب العلوم! بل ما شأن مذاهب فلاسفة السوفسطائيين والثورات الثلاث التي أثارها على التعاقب سقراط وأفلاطون وأرسطو؟ ما شأن كل هذا بالمذهب الرمزي الذي يتحدث عنه الأستاذ في مقاله؟ حقاً لقد هدَّمت هذه الثورات الثلاث الكبيرة من آراء السوفسطائيين حتى صدَّعت مذهبهم، ولكن هل غيرت أو هدّمت فن سوفوكليس واريستوفان ويوريبيد؟ كلاَّ، لأنها كانت ثورات في الفلسفة ولم تكن ثورات في الفنون والآداب! وقد عاصر هؤلاء الأعلام في الأدب الإغريقي كلا المذهبين السوفسطائي والسقراطي فما تهدم فنهم بهذا ولا بذاك!