وإن نفس العاطفة الوطنية المتأججة في صدر الهمداني والتي بعثته على أن يخصص نفسه للبحث العلمي قد أوحت إلى نشوان أبن سعيد - الذي ينتمي من ناحية الأب إلى أسرة قديمة من أشراف اليمن - أن يتذكر الماضي الخرافي ويتعلق بإحياء مجد إمبراطورية زالت معالمها ودرست آثارها. وأنه ليتغنى في (القصيدة الحميرية) بعظمة وقوة أولئك الحكام الذين تبوأوا عرش أمته، ويؤول في روح إسلامية حقة حقيقية الغناء والحياة، وحقارة المطامع البشرية، ومع أن هذه القصيدة في ذاتها قليلة القيمة فأنها تعتبر وثيقة قيمة - نوعاً ما - لاشتمالها على أسماء الملوك، ومعها شرح تاريخي واف إما أن يكون كاتبه نشوان نفسه - وهذا ما يرجحه فون كريمر - أو أحد معاصريه. والذين لا يرون التاريخ إلا مجمل حقائق لن يجدوا مأربهم في هذا التعليق، إذ نرى خيوط الحقيقة معقدة متشابكة مع أساطير خرافية مكذوبة، وقد وضع القصّاصون في فجر الإسلام صورة حرفية لمثل هذه الأساطير، من ذلك أن أحد عرب الجنوب وأسمه (عبيد بن شرْية) زار دمشق تلبية لدعوة الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي سأله (عن الأخبار المتقدمة، وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة وأمر افتراق الناس في البلاد) وطلب إليه أن يكتب وأمر أن تجمع وتكتب إجاباته كلها ثم تنشر باسمه، وهذا العمل الذي لم تصلنا أية نسخة للأسف كان يسمى (كتاب الملوك وأخبار الماضين) وقد تكلم عنه المسعودي (٩٥٦م) ككتاب معروف متداول في محيط كبير، كما اعتمد عليه فيما بعد شارح (القصيدة الحميرية) إما مباشرة أو بواسطة الإكليل للهمداني. وقد نعتبره - كما اعتبره الشارح نفسه - كقصة تاريخية لكثير من شخصياتها وحوادثها أساس من الحقيقة والواقع قد مُوِّهت بكثير من القصص الخيالية والقصائد المكذوبة، مما يجد فيها السامر خير عون له على أداء مهمته. ومن بين المؤلفين المسلمين القلائل الذين اهتموا بدراسة تأريخ عرب الجنوب في العصر السابق للإسلام