كان يلبس بدلة سهرة أحمر اللون طويل الذيل، وعلى أذنيه الشعرواين تقوم في اتزان دقيق قبعة فخمة مريشة، وفي هذا اللباس الرسمي التاريخي كان يرقص فوق صندوق الموسيقى. وكان أمامه على الدوام حشد من النظارة، من الصغار والكبار، مجتمعين حول المعزف للتفرج عليه، معجبين بالمهارة التي يتبع بها أنغام الموسيقى المتغيرة، في نشوة من الضحك من حركاته المثيرة.
وكان لوجهه قدرة عجيبة على الحركة، ولم تنجب الطبيعة مخلوقاً أشد دهاء في تعبيراته الناطقة، وله هذه الثروة من الحركات المضحكة، وهذا الجسم الصغير العجيب المرن الذي تسكنه روح ذات حظ مماثل من المهارة والرغبة في بعث السرور والبهجة. وكانت الموسيقى، وهي حياته الهائمة، والحشد من النظارة، كلها تجلب له المتعة. فإذا جذبه طفل من ذيله مرة، لم بغضبه ذلك أكثر ما يغضب من الشمس المتوهجة على حفافي الطريق، أو من البقع التي يشحب لونها رويداً على ثوبه الأحمر الجميل. وكان سعيداً، وكان اسمه بيبي، وكان بالطبع قرداً.
وفي بعض الأحايين تتحرك خلطه السوداوي من فرط الحنين لوطنه، كما لو كانت بفعل الريح، فيسمع مرة أخرى أغنية وطنه الغاب، الصداح بالأطيار، ويرى الفهد ينساب بين الأجم، والتماسيح تزحف من الطين، وتنسم عبير الأزاهر الهائلة الذائبة التفتح في الحرارة الدائمة. وحينئذ يحرك ذراعيه الطويلتين، ويتذكر كيف كان يتسلق فوق أعالي الأشجار، أو ينزلق برشاقة على جذوعها المعمرة ألف عام، ويذكر وفي قلبه وخزة تلك الكروم التي تنتظم كلدانتلا بين أصابع الغاب الهائلة.
بيد أن هذه الأشياء ما كانت تقلقه إلا فيما ندر؛ فلقد كانت الحياة جميلة ولم يكن مستعبداً كغيره من القردة. كان يسافر في الطريق حراً مع سيده الذي كان صديقه كذلك. وإذا ما