وقفت بك في الرسالة السابقة على عرش الشاه إسماعيل الصفدي. وجدير أن نطيل الوقوف عند هذا العرش الذي بذلت الصناعة وسعها في هندسته وتذهيبه وترصيعه وتلوينه، ولاءمت فيه يد الإتقان بين الذهب والمينا والزمرد والياقوت، وألفت بين ألوانها تأليفاً متآلفاً مرضياً، وقد أرى فيه الذكر تتلألأ تلألؤ الجوهر.
وقفت عند هذا العرش أذكر الشاه إسماعيل هذا الملك الجبار الذي نشأ في زلازل الحادثات حتى ملك أزمة دولة مبتدأة وهو لم يبلغ الحلم؛ وما لبث أن مد سلطانه ما بين العراق إلى الهند، ثم أورث أبناءه دولة لا تزال آثارها شاهدة بمآثرهم، ناطقة بعظمة ملكهم، مذكرة بما طوى الدهر من سلطانهم.
هذا العرش ما خطبه، ما باله وخزائن سلاطين آل عثمان؟ هنالك ذكرت جلاد سليم وإسماعيل، وذكرت موقعة جالدران الموقعة التي كادت تذهب بدولة إسماعيل الناشئة؛ لولا أن عاقت سليماً العوائق. وجالدران وأرمديد وشمالي أذربيجان اصطفت فيه جنود سليم وجنود إسماعيل سنة ٩٢٥ من الهجرة. قسم سليم جنوده، وجعل الانكشارية في القلب واتخذ مكانه خلفهم، وجعل المدافع وراء الجناحين وشد بعضها إلى بعض بالسلاسل. وصف إسماعيل جنوده، وتولى قيادة الجناح الأيمن مائة وخمسون ألف جندي صمدت لمثلها؛ فانظر هذه الحرب المتأججة يضرمها ثلاثمائة ألف!
ويحمل إسماعيل الفتى الشجاع، معتزاً بجنده، مفتخراً بنسبه العلوي، مصمماً أن ينتصر أو يقتل، ويشق جناح العثمانيين الأيسر ويحسب أن النصر مقبل عليه.