للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من أساطير الإغريق

بومونا

للأستاذ دريني خشبة

عروس من عرائس الغاب يترقرق الجمال في إهابها الوردي وتلتمع في فمها الرقيق الخمري ثنايا من اللؤلؤ الرطب، وتبسم. . . فتثور من عينيها وشفتيها أسراب من النحل في قلوب العاشقين، تلسعهم، وتسقيهم رحيقاً!!

هي بدع من عرائس الغاب؛ فهي لا تغشى الأنهار تتلاعب في طيات أمواجها؛ وهي لا تحب البحر لا هادئاً ولا متمرداً؛ وهي تكره الغابة لأنها تعج بالأفاعي والوحوش، ومنظر هذه حين يساور أحدها الآخر يبعث في نفسها اشمئزازاً، ويثير فيها غضباً على الطبيعة الظالمة التي جعلت الضعيف فريسة للقوي يذله ويقتله. . . ثم يأكله

لذلك أولعت بومونا بالحقول الساكنة الهادئة، إلا من نشاط الحياة يسري فيها فتهتز وتربو، ثم تكتسي بالسندس، وتنضر بالزهر، وتطن بموسيقى اليعاسيب. . . وأولعت كذلك بالحدائق. . وقد غرست حديقتها على عُدْوَة النهر، وسوّجت عليها بسياج من شوك، ثم جعلت لها بوابة جميلة عرشت فوقها عساليج الشّبر والياسمين. . . وكانت تقضي في جُنينتها أكثر وقتها، ولو استطاعت لم تبرحها قط، لأن الزنبق الغض، والنسرين الجميل، وأكمام الورد، وهالات البنفسج، ونضرة الشقائق، وأرج التفاح، وعبق الرياحين، وشذى أزهار الخوخ العقيقية، وابتسامات الأقاح، ولآلئ الندى المبعثرة فوق العشب. . . كل هذا كان أحب إلى قلبها الخلي، ونفسها العزوف، من هؤلاء الناس، والآلهة، وأنصاف الآلهة، الذين كانوا ينتظرون أوبتها في المساء إلى دارها، فيقفون في طريقها، ليفوز من يفوز منهم بنظرة أو خطفة أو لمحة، يعود بعدها إلى منزله مصدع القلب، حائر الروح، خفق الأحشاء موهون القوى!

وكأيّن من قائل لآخر:

- أرأيت بومونا هذا المساء يا صاح؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>