في مدة قصيرة لا تتجاوز عقدين من السنين، ولا تساوي في حياة الأمم فترة من حياة الأفراد تمكن العرب من تدويخ إمبراطوريتين كانتا أعظم دول ذلك العهد. فاكتسحوا الإمبراطورية الفارسية وثلوا عرش أكاسرتها، وسودوا دينهم ولغتهم على سكانها، وكانوا في الوقت ذاته ينتزعون من الإمبراطورية البيزنطية ولاياتها الشرقية الواحدة تلو الأخرى. فدخلت سورية الكبرى ومصر، وطرابلس الغرب، وتونس والجزائر والمغرب الأقصى في دولتهم الفتية، وانضوى سكانها تحت راية القرآن والدين الحنيف
وكأني بالفاتحين وقد جثموا على الشاطئ الأفريقي، ورأوا قبالتهم الشاطئ الأوربي لا تفصلهم عنه إلا شقة ضيقة من الماء أخذتهم نشوة النصر والظفر، ووطنوا العزم الأكيد على تدويخه وان يمثلوا مع الأسبان الدور الذي مثلوه قبلا مع الفرس والرومان
كانت إسبانيا قبل الفتح العربي في حالة اضطراب وفوضى، تتنازعها الثورات والفتن. والعامل الأكبر في هذا التقلقل والاضطراب راجع إلى النظام الاجتماعي الفاسد الذي كان سائدا عندئذ في البلاد. فقد كان سكانها يقسمون إلى أربع طبقات هي:
١) الأشراف - ٢) سكان المدن - ٣) الفلاحون - ٤) العبيد
أما الأشراف فكانوا أصحاب النفوذ والسيادة، غير أنهم انصرفوا في أخر عهدهم عن أمور الدولة إلى اللهو والبذخ والمجون.
وكان سكان المدن - ومعظمهم يهود - يتحملون معظم الضرائب التي كانت عبئا ثقيلا على عاتقهم جعلتهم تواقين للخلاص من حالتهم الحاضرة. أما الفلاحون فكانوا وسطا بين الأحرار والعبيد، إذ أن التملك كان محرما عليهم إلا بإذن الشريف الذي يقعون في دائرة نفوذه، ولذا كان القليل النادر منهم ملاكا
وكان العبيد وهم اكثر السكان عددا يباعون كالسلع ويسامون من العذاب أشكالا وألواناً. فليس غريبا إذا أن يهربوا في بعض الأحايين من نير أسيادهم إلى الجبال والقفار، فيعتصموا بها وينعموا بالحرية المفقودة، ويعيشوا في البلاد فسادا انتقاما لحريتهم المسلوبة. وكانت هذه الحالة السيئة كافية لإزاحة الحكم الروماني عن هذه البلاد والتمهيد للقبائل