هل ترى أن الأدب اليوناني القديم يقدم غذاءً نافعاً للعقل العربي الحديث؟
لقد شهدت تُمثيل رواية أوديب على مسرح الأوبرا الملكية فلم أرها إلا حماقة من حماقات الإغريق يوم كانوا يؤمنون بأن الآلهة أقوام مجانين يتصرفون في شؤون الخلق بلا بصيرة ولا خلق ولا رفق ولا ميزان
ومع أن المآسي تثير دموعي فقد أحسست قلبي وهو يتحول إلى جلمود عند شهود هذه المأساة، لأنها لم تكن إلا صورة من سخف الوثنية اليونانية، وهي وثنية عادت على أصحابها بأجزل النفع، لأنها مثلت أهواءهم وأوهامهم أصدق تمثيل، ولكنها لن تنفعنا بشيء، لأنها بلبلة خلقية وذوقية تلحق الضرر البليغ بأذواق الجيل الجديد. وهل هناك لرياضة الجمهور على التحزن والتحسر والتفجع لمصاير مجهولة خلقها الروح الإغريقي ليوهم بني آدم أن لا قدرة لهم على الخير أو الشر وأنهم لم يخلقوا إلا ليكونوا ألعوبة في أيدي المقادير الهوجاء؟
أنا أفهم أن تترجم أمثال هذه الروايات إلى اللغة العربية لتعين على تصور بعض ما مر بالإنسانية من أوهام وأضاليل، ولكني لا أفهم كيف يتخذ من أمثال هذه الروايات نماذج لروعة الفن، ونفاذ الفكر، ورجاجة العقل؛ وهي قد نشأت في أحضان الطفولة البشرية يوم كان الملوك والوزراء والحكام عبيداً مسخرين لسدنة الهياكل الوثنية، ويوم كانت مصاير الأحكام إلى من يحسنون الرجم بالغيب من الكهنة والعرافين
قد يقال إن في مصر رجلاً أسمه الدكتور طه حسين، وأن هذا الرجل يُقسم بأبوللون أن الفن لفي خُسر إن لم يفلح بأدب الإغريق القدماء
ولكن هذا الرجل لا يزعم ولا يستطيع أن يزعم أن الرأي ما يرى، وأن القول ما يقول، ففي مصر رجال يملكون رجعة إلى الصواب بلا مشقة ولا عناء، وسيرى ما يسره إن هم ينقض هذا الاعتراض، ولكنه لن يفعل لأن كهنة دِلْف أنبئوه أن خير ما يجاب به على اعتراضات زكي مبارك هو الصمت البليغ!