للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تاريخ الأدب النسوي في فرنسا]

للأستاذ محمد بك كرد علي

بينما نرى تركيا تقرر مساواة المرأة بالرجل، وتعترف لها بحقوقها السياسية في المجتمع، غير ناظرة إلى ماضيها وحاضرها، ولا لاستعدادها المطبوع والمكسوب، ولا إلى قلة عدد المتعلمات من بنات جنسها في بلادها، يخيل إليها أن تجعل منهن أو أن ترتجل منهن عالمات مفكرات ناخبات منتخبات - بينا نرى هذا في الشرق وتركيا تضع تشريعاً جديداً تجري أحكامه في أمة تغرق كثرتها الغامرة في بحر لجي من الجهالة والأمية، نرى رجال الغرب على كثرة ما بلغته المرأة عندهم من درجات النشوء والرقي، يحاذرون أن تساوى الرجل عندهم في كل الحالات، ناظرين في ذلك إلى عدة اعتبارات نفسية وجسمية وعلمية وأدبية وتاريخية جرأة مستغربة من الترك في محاولة أمر لم تتم أسبابه، ولا بعضها، وتأن لا غرابة فيه من الغربيين ممن بنوا مدنيتهم على العقل، وساروا بسنة التطور الطبيعي في كل مظاهرهم، فأحدثوا هذه الحضارة القائمة على أساس راسخ من العمل والنظر، ولو نسج الغرب خيوط مدنيته بالخيال، تمليها العواطف، ولا يدعمها العقل المولد، ولا التجارب المسددة، لما شهدنا هذه المدينة تتفوق على غيرها، وتكسف شمس المدنيات القديمة التي كان من أعظم ما منيت به عصور جهالات كانت سود لياليها، ونظريات خيالية، فقد فيها التسلسل، ومات منها الإبداع.

حقا إن أهل البصيرة لا يفهمون سيراً لهذه المغامرة في جمهورية الترك، إلا إذا غالطوا حسهم. أليس من أعاجيب الدهر أن ينام الأتراك قروناً عن الأخذ بمذاهب الحضارة، ويهبوا اليوم دفعة واحدة يحاولون أن ينفذوا قوانين الجمهورية السويسرية في سكان آسيا الصغرى. ولا يختلف اثنان أن السويسريين أصحاب هذا القانون وصلوا إليه في عدة قرون، فاستووا أرقى شعب في الأرض، أو أول شعب يجيء في الصف الأول بين الأمم المتفوقة، والترك بلا جدال مهما غرت ظواهرهم، متأخرون في معظم مظاهرهم في سلم المدنية، على ما عرفناهم وعرفهم غيرنا من الباحثين من أهل الشرق والغرب.

وأعجب من هذا كله أن تحرم المرأة السويسرية الراقية من حق الانتخاب وترزقه المرأة

<<  <  ج:
ص:  >  >>