لا يخفى على المتتبع ما للثقافة في أية بلدة من البلدان من تأثير عظيم يقيم لها وزناً بين باقي المدن والأمصار.
فقد يتحدث المتحدث عن بلدة واحدة ذات شأن في مملكة من المماليك فتجعل البلدة لهذه المملكة شأناً بين الأمم والشعوب، وفخامة المدن نتيجة الثقافة والعمران، وهما أساسان رصينان في أسس الحضارة البشرية التي سمت على أحوال باقي المخلوقات في الطبيعة. ونقصد بالثقافة العلم والفن ومعاهدهما التي تدعى بالمدارس والجامعات على اختلاف أشكالها وأنواع مسمياتها.
فهي المناهل الرائقة للعلم والفن. وكلما ازداد عدد هذه البيوت ازداد مقدار التقدم الثقافي والتهذيب العلمي وبهما تكمل سيادة الأفراد في المجتمع البشري. وكذلك العمران ونقصد به المؤسسات المتنوعة لكل ما ينفع الفرد في حياته سواء أكان ذلك من أجل صحته أم عيشه أو اكتسابه. كل هذه المؤسسات تعود عليه بالنفع العميم لمواطنيه كافة من أبناء قومه وغيرهم.
ولقد دلت أبحاثنا عن تاريخ واسط الذي ما زلنا ندأب على استقصاء أخباره أن لمدارس هذه المدينة المندثرة أهمية كبيرة في تاريخها وان كان ما توصلنا إلى معرفته منها قليلاً. فإن معاهدها الثقافية لم تقتصر على عدد معلوم تحيط به المعرفة بل كانت هناك في واسط الربط التي كانت تكون بمثابة مدارس تدرس فيها علوم الدين وخاصة القرآن الكريم، وما يتعلق به من التفسير وما يخص قواعد الصرف والنحو وعلوم البيان والبديع والنثر والشعر، وكذلك الفقه والعلوم الشرعية وفلسفة الكون والتوحيد وغيرها؛ كما أننا نعلم أنه كان يتخذ في كل مسجد من المساجد مدرسة لتعليم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ودرس العلوم الدينية.
فكان يعتبر كل مسجد بمثابة مدرسة من المدارس، وكان فيها كتاتيب لتعليم الصغار وتهيئتهم لقبول هذه العلوم. ولم تشتهر مدينة واسط كما يظهر لنا إلا بالمدارس الآتي ذكرها على ما دونه المؤرخون الرحالون من أبنائها، ولعلهم لم يجدوا أشهر منها في زمانهم.