لا شك في أن الكثير من الظواهر الفلكية كان من أهم العوامل الرئيسية في تكوين العقل البشري منذ أقدم العصور، ثم في بناء المدنيات المتعاقبة في التاريخ.
فظهور الشمس في ناحية ما من السماء، وارتفاعها عند الظهر نحو السمت، ثم انحدارها في الناحية المقابلة غرباً، واختفاؤها بعد ذلك كل يوم دون انقطاع، وما تجليه أثناء النهار من النور والدفء، وما يسببه اختفاؤها في أثناء الليل من الظلام والبرد؛ ثم ظهور القمر في ليال معدودة مبدداً حلكة الظلام؛ وشروق النجوم الثابتة من حيث تشرق الشمس، ومغيبها من حيث تغيب؛ وتلكم الكواكب السيارة التي تتحرك وسط النجوم الثابتة؛ وهذه المذنبات التي كانت تفاجئ الناس بظهورها ثم تفاجئهم ثانية باختفائها؛ وما كان يروعهم من كسوف الشمس وخسوف القمر؛ كل أولئك أو بعضه لا شك قد أيقظ انتباه (الإنسان الأول) كما تدل عليه آثار العصر الحجري
وتاريخ أقدم المدنيات يدل على مقدار ما كان لهذه الظواهر الفلكية المتعددة من الأثر في بناء هذه المدنيات نفسها؛ فعلى ضفاف النيل - حيث أشرقت على العالم أولى المدنيات - نجد في آثار أجدادنا ما يؤيد هذا الزعم
ولكي نستطيع ان نحكم بالدقة على مبلغ ما وصلوا إليه في هذه الناحية دون تورط في المديح أو مبالغة، لا نرى مندوحة من أن نذكر القارئ بالعقائد الرئيسية الثلاث عندهم، وهي التي صبغت بها مدنيتهم في جميع مظاهرها:
فالأولى - الشمس وهي الإله المعبود (رع)
والثانية - النجوم - منازل المباركين
والثالثة - النيل - النهر المقدس - الذي لم يزل يفيض على جوانبه الخير والبركات
ولما كان أهل مصر منذ القدم يعيشون على فلاحة الأرض، كان لزاما عليهم معرفة الوقت الذي يفيض فيه النهر المقدس ليربطوا تبعاً لذلك أزمنة الحرث والبذر والري والحصاد. ومن المصادفات الموفقة أنهم لاحظوا أن فيضان النيل يأتيهم عندما يرون الكوكب الألمع