(إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه،
ومن يتوق الشر يوقه) حديث شريف.
لا ينهض رواج الرذيلة في هذا العصر المادي دليلا على رجحان كفتها في ميزان الأخلاق، إذ ما يزال للفضائل القدح المعلى، ولا يزال الفضلاء - على قلة فيهم وضعف - اقدر الناس على الجهر بالدعوة إلى مذهبهم، وأقومهم بالحجة في الإنابة عن صحة مأخذهم. . . وحسب الرذيلة من ضعة إنها مقرونة أبدا بالتواري، محجبة بقناع التخفي، لا تحيا إلا في مدلهمٍّ من الظلام، ولا تنشط إلا على غفلة من العقل، وغفوة من سلطان الضمير.
والخلق النفسي قسمان: فطري وكسبي. وليس لنا من أمر الخلق الفطري شئ ألا أن نشكر واهبة على ثمرات خيره، ونستعيذ به من بائقات شره. أما الثاني، وهو ما تنهيا النفس لاكتسابه من صفات خلقية، فذلك الذي يتسع معه مجال الحديث، بل من اجله سن الباحثون قوانين الأخلاق وقواعد السياسة والتربية، وسائر علوم الاجتماع.
ولا يكاد يتصور لهذه العلوم وجود إلا مع الاعتراف بأهمية الصفات الكسبية للنفس كدعامة من دعامتيها، وعنصر - بالغ الأهمية - من عنصريها.
ولقد أخذ ابن مسكويه على منكري (التطبع) قولهم، وأبلغ - ولم يبالغ - في تقدير الخلق الكسبي، وما تتهيأ له النفس من قبول التحول، والانصياع إلى ضروب التأديب والتهذيب. يقول في فصل من كتابه (تهذيب الأخلاق): اختلف القدماء في الخلق فقال بعضهم: الخلق
خاص بالنفس غير الناطقة. وقال بعضهم: قد يكون للنفس الناطقة فيه حظ. ثم اختلف الناس أيضاً اختلافا ثانيا فقال بعضهم: من كان له خلق طبيعي لم ينتقل عنه. وقال آخرون: ليس شئ من الأخلاق طبيعيا للإنسان، ولا نقول انه غير طبيعي. وذلك أنّا مطبوعون على قبول الخلق، بل ننتقل بالتأديب والمواعظ إما سريعا أو بطيئا. وهذا الرأي الأخير هو الذي نختاره لأنا نشاهده عيانا، ولان الرأي الأول يؤدي إلى إبطال قوة التمييز والعقل، والى رفض السياسات كلها وترك الناس همجا مهملين، والى ترك الأحداث