قضيت ما قضيت من حياتي - قبل أن تبدأ قصتي مع ضغط الدم - بعيدا عن الأطباء، لم القهم في مرض ألمّ بي إلا مرات معدودات. وذلك لعديد من الأسباب لا أريد أن اذكر منها إلا أنني حريص على العمل بالحكمة المأثورة:(الوقاية خير من العلاج).
ومهما كانت الأسباب فقد كنت بخير إلى أن لقيت صديقي في الطريق وهو ذاهب إلى مكتب شركة من شركات التامين على الحياة ليدفع قسطا من المؤمن به على حياته، وطلب مني أن اصحبه وقال لي: لم لا تؤمن أنت أيضا على حياتك؟ فقلت في نفسي: حقا لم لا أؤمن على حياتي؟ إنني لا ادخر شيئا، وهذه قطع كبدي تمشي على الأرض، ولا يملك أبوهم شبرا من أرض. . .
وقال صديقي: على أنك إذا طلبت التامين عهدت الشركة إلى طبيبها أن يفحصك فحصا تاما ليتحقق سلامتك من جميع الأمراض، فإذا كانت هذه السلامة اطمأننت على صحتك وجنيت فائدة التامين، وإلا عرفت داءك فتبادر إلى علاجه، وسيسألك الطبيب عن الأمراض التي أصبت بها في حياتك، فلا تصدقه وقل له: أنك لم تصب بأي مرض في أي زمن. تصور أني قلت له: لم امرض إلا مرة واحدة في حياتي، إذ أصبت بحمى (الدنج) فجعلت الشركة تبحث عما عساه يكون ل هذه الحمى من الآثار التي تقصر الأعمار. . . وبعد البحث والدرس، والأخذ والرد، قبلت التامين. قلت لصديقي: أنك - ولاشك - اصدق المؤمنين على حياتك لدى هذه الشركة!.
وتقدمت إلى الشركة بطلب التامين على حياتي بألف جنيه، على أن ادفع أقساطا شهرية بضعة جنيهات؛ وزعمت أني لن أبالي بعد ذلك أن أموت في أي وقت تاركا لأولادي ألف جنيه! وكنت شديد الحذر من سيارات الحلفاء وما إليها من الدواهم التي تعج بها شوارع القاهرة، وزعمت أيضا إنني لن أكون كذلك بعد أن يتم عقد التامين. . .
واستدعتني الشركة للفحص الطبي، وليس يهمك أن تعلم أني أخذت بنصيحة صديقي في الكذب على الطبيب أو لم آخذ بها، فقد حدث ما شغلني عن ذلك، وهو المقصود من هذه الحكاية، فلنقصد إليه قصدا. . . لف الطبيب على ذراعي قطعة من قماش اسود كثيف،