للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موضع ليس بمعدن له، كانت صبابة النفوس به اكثر، وكان بالشغف منها اجدر). وليس بعد كلام الشيخ كلام، ولكن لعل شيخ الجامعة يتهمه بفساد الذوق ولو أنه أعاد وأبدا، واحتج بنظرية نفسية كان الأستاذ ينكر أن المتقدمين تنبهوا لمثلها، والأمر أوضح من أن يشرح، فالشاعر أراد أن يبين زرقة البنفسج التي تفخر بها على اليواقيت الحمر ففكر في شبيه ل هذه الزرقة، وهنا يتفاضل الشعراء فمنهم من يكون قوي اللفتة فسرعان ما يقع على شبيه ولو كان نادر الحضور في الذهن، ومن هنا تجيء طرافته وجدته، ومنهم البليد الذي لا يصل إلى الشبيه وربما لا يصل، وإذا كان من الميسور للأستاذ البلاغة في الجامعة أن يتهم الشيخ عبد القاهر في ذوقه فأظن أنه ليس من الميسور أن يتهم جريرا الشاعر. فإليه نسوق القصة التالية: يحكى أن جريرا قال: أنشدني عدي (يعني ابن الرقاع العاملي): عرف الديار توهما فأعتادها.

فلما بلغ إلى قوله: (تزجى اغن كأن إبرة روقه) رحمته وقلت قد وقع، ما عساه يقول وهو أعرابي جلف جاف؟! فلما قال: (قلم أصاب من الدواة مدادها) استحالت الرحمة حسدا. قال صاحب الإيضاح: فهل كانت الرحمة في الأولى والحسد في الثانية إلا أنه رآه حين افتتح التشبيه قد ذكر ما لا يحضر له في أول الفكر شبه، وحين أتمه صادفه قد ظفر بأقرب صفة من أبعد موصوف.

وبعد ف هذا كلامهم وهذا كلامه، وموعدنا المقال التالي.

علي العماري

مدرس بمعهد القاهرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>