للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كلمة تقال. . .!!]

للأستاذ محمود محمد شاكر

أخي الأستاذ علي الطنطاوي

سلام عليك. يقال في المثل: (كرها تركب الإبل السفر) وقد استطعت أنت أن تكره العلم إلى ما أردت أن أنزهه عنه. فلولا ما أضمرت من قديم المودة لك، ولولا ما عرفت من صدقك، ولولا أنني أجلك عن أن تكون عجولا إلى غير صواب، ولولا أني أكره أن تأخذ عني شيئا لم أقله بلساني، ولولا ذلك كله، لكان أبغض شيء إلى أن استكره نفسي على غير ما رأيت أنه أجمل بي وأصون. وإنك لتعلم، أيها الصديق القديم، أني اكره أن ازداد من الشر، وأن أتزود من لجاجة الباطل، والكتابة في زماننا هذا شر مستحكم، وباطل لجوج متوقح. وقد اقتحم وعرها من لا يحسن المشي في سهولها، وتشهاها من لو انصف نفسه لحال بينهما وبين ما تشتهي، واتخذها صناعة من لو عقل لأعفى نفسه من مزاولتها، ولكن هكذا كان، ورحم الله الطائي إذ يقول لمحمد بن عبد الملك الزيات:

أبا جعفر، إن الجهالة أمها ... ولود، وأم العلم جذاء حائل

أرى الحشو والدهماء أضحوا كأنهم ... شعوب تلاقت دوننا وقبائل

غدوا، وكأن الجهل يجمعهم به ... أب، ذوو الآداب فيهم نواقل

وأنت تعلم من انصب النصب، أن تتصدى لإفهام من لا يفهم عنك، فإذا بلغ الأمر أن تراه يتصعب لجدالك، فأذكر قول من قال: إذ أردت أن تفحم عالما فأحضره جاهلا. وقد لقيت أنا من شر ذلك ما لقيت، فآثرت أن أسلك سبيلي لا يشغلني عنه متعلق بأذيالي، إرادة أن يصرفني عن الوجه الذي أردت

ولقد قرأت كلمتك في الرسالة، فأسفت أشد الآسف، لأني عرفت منها أنك لم تقرأ ما كتبته في مجلة (المسلمون) وفي أربعة أعداد منها، ولو كنت قرأتها لما كتبت ما كتبت، لأني لا أشك في ذكائك وحسن فهمك. فأنا لم أتعرض في شيء منها لبني أمية أو بني العباس، ولا لحكمهم ولا سياستهم؛ فعجبت أشد العجب كيف يمكن أن تكون معي أو علي في أمر لم أقل فيه كلمة ولا يعلم أحد ممن كتب رأيي فيه، ولا كيف أقول إذا أنا تعرضت للبيان عنه؟ فمن اجل ذلك عجبت، لأنك لم تنصف على عادتك من الإنصاف

<<  <  ج:
ص:  >  >>