اتفقت كلمة الشعوب الإسلامية على أن العصر الذهبي للخلافة قد ازدهرت فيه مذاهب في الفلسفة، كانت عربية إسلامية ذاعت في العالم ذيوعاً واسع المدى، وأن المعاهد الإسلامية قد مهدت لظهور الجامعات الأوربية، وكانت المثال الذي به تقتدي وعلى هداه تسير.
وهذه النظرة المنطوية على اعتبار الإسلام مصدر الحضارة الأوربية، نشأت في رحابه، ودرجت في ظلاله، واستقت من معينه، لا نراها منبثة في الكتب الأدبية التي أريد بها مجرد الدعاية فحسب، بل نراها شائعة - بحق أو غير حق - في أكثر البحوث القيمة التي ساهم فيها العلماء من المسلمين المحدثين وتناولت تقدم الأنظمة الإسلامية وتاريخها في العصر الوسيط.
وإنا لنرى في الأدب الغربي بين الحين والحين إشارة إلى ما يطلقون عليه اسم (الفلسفة العربية)، كما نرى طائفة من كتاب الغرب تذهب إلى أن الفلسفة المسماة بهذا الاسم ليست إلا خليطاً من آراء القدماء لا تجانس بين مواده المتنوعة، قد ترك ليتفاعل وينضج، فهم منتهون إلى أن ليس هناك شيء اسمه (فلسفة عربية) وإلى أن الشعوب الناطقة بالضاد لم تفعل شيئاً أكثر من أنها استولت على الفلسفة اليونانية التي كنت شائعة بين المسيحيين من أهل سوريا، والمثقفين من أهل حران الوثنيين، ثم أضافت إليها بعض عناصر استمدتها من فارس والهند.
ومهما يكن من شي فإن من الحق أن نرد الفلسفة العربية في مادتها وصورتها وغايتها إلى حضارة البلاد التي غزاها العرب، وأن نعتبر الفلسفة اليونانية المعين الذي استقوا منه مذاهبهم.
ومهما قيل عن هذا الأمر في العصور الحديثة فإن العلماء المسلمين في العصور المتقدمة لم يخطئوا السبيل إلى فهم هذه الحقيقة. فالجاحظ البصري المتوفى سنة تسع وستين وثمانمائة بعد الميلاد - وهو كاتب قدير متبحر كان تأثيره في أسبانيا الإسلامية على جانب عظيم من الأهمية - يعترف اعترافاً واضحاً بفضل الفكر اليوناني على أهل ملته فيقول: ألم تبلغنا كتب القدماء التي خلدوا فيها حكمتهم الرائعة، وعالجوا بين صفحاتها دروس التاريخ المتشعبة، حتى بدا الماضي حياً أمام أبصارنا؟ ألم تصل إلى أيدينا نفائس تجاربهم التي ما كنا بغير هذه الكتب لنعرفها أو لنصيب في الحكمة حظاً يذكر، أو نسلك للتحصيل سبلاً