قرأت قصيدة للأستاذ الفاضل علي أحمد باكثير المنشورة في عدد مضى من الرسالة، والتي أسماها شعرا مرسلا حراً. . .
وقد جمع الأستاذ الفاضل بهذه التسمية بين الشعر المرسل، والشعر الحر، وهما ضربان مختلفان في الشعر الأوربي، ويسمى الأول في الإنجليزية والثاني ولكن الترجمة الصحيحة لهما هي: نظم مرسل، ونظم حر. . . ومعنى هذا إنه يجب أن تتوفر الموسيقية في هذين الضربين من الشعر أو النظم!
ولا يعفى الأستاذ باكثير جمعه بين الضربين في قصيدة واحدة - كما سماها مجازاً - أن يهمل الموسيقية أو العروض، وإن لم يتقيد أو يلتزم بحرا واحدا. . .
فلقد أدهشني خلو ما سماها قصيدة من أي موسيقية، وحاولت قراءتها وتنغيمها على كل الوجود فلم أفلح.
فهذه إذن ليست قصيدة بالمعنى المفهوم لخلوها من الموسيقية، وهي ليست شعرا مرسلا، وليست شعرا حرا. والخطأ الثاني هو جمعه بين الضربين في قطعة واحدة.
أما أصدق وصف لكلمة الأستاذ باكثير فهو أن يسميها نثرا مشعّرا، أو شعراً منثوراً، كما يقولون. أما إنها نظم فهذا خطأ.
وإذا أراد نموذجا من الشعر فإني أرجو من أستاذنا الزيات أن يتفضل بنشر هذا النموذج لي، عن الشاعر الأمريكي الفحل لونجفلو، وهي السطور الأولى من ملحمته المسماة (أغنية هياواثا)، وقد نظمها صاحبها شعراً حراً، ولكني ترجمتها شعراً مرسلا منذ بضع سنوات.
وإنك لواجد في هذا النظم موسيقية، لأنها من أول الشروط فيه. وقد أخطأ الشعراء في عدم فهم هذا الضرب، فكان ما ينظمون منه - حتى مع التزامهم الموسيقا - متنافراً في البحور غير منسجمة مع بعضها. ومن أولى خصائص هذا الضرب موسيقيته أولا، ثم ائتلاف هذه الموسيقى في بحور متقاربة ليجعل منها تجانساً وتناسقاً فنياً
وإليك الأبيات الأولى من ملحمة لونجفلو، كما ترجمتها شعراً مرسلا من أوزان متقاربة لا تحس فيها بتنافر أو اصطدام، وهذه أولى خصائص ذلك النظم: