أخذ الجمود في العلم يخيم على العقول منذ أقفل باب الاجتهاد، وأخذ الحجر على العلماء يتسع قرناً بعد قرن، حتى استحكمت حلقات الجمود في القرن السابع الهجري، فحرم الأخذ في الأصول بغير مذهب الأشعري، وفي الفروع بغير مذاهب الأئمة الأربعة، ومنع الناس من النظر في الفلسفة وعلومها، وبهذا وقف المسلمون عن النهوض في ميدان التنافس بين الأمم، فتأخروا وسبق غيرهم، وصاروا إلى ما نشاهده الآن، مما لا يعلم عاقبته إلا الله تعالى
وبينما كان أهل ذلك القرن يغطون في نومهم، ظهر بينهم ابن تيمية يحطم بعض تلك القيود، ويدعو إلى فتح باب الاجتهاد، ويحاول الخروج في الأصول على مذهب الأشعري، وفي الفروع على مذهب الأئمة الأربعة، ويحارب بدعة التصوف التي لعبت بعقول العامة، وجعلت دينهم ضلالات وخرافات
وهذا الإمام المصلح هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن القاسم بن تيمية، ولد سنة ٦٦١هـ بمدينة حمران، وأخذ على علماء عصره، وأكثر من المطالعة والقراءة، حتى فاق الأقران، وصار عجباً في سرعة الاستحضار وقوة الجنان، والتوسع في المنقول والمعقول، والاطلاع على مذاهب السلف والخلف
وقد دعا في الأصول إلى الأخذ بمذهب السلف من الوقوف عند ظاهر النصوص، وترك التأويل الذي يلجأ إليه الأشعري وغيره، وقد جره هذا إلى القول بأن الله في السماء، أخذا بظاهر قوله تعالى في الآية - ١٦ - من سورة الملك:(أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) ثم أخذ يدعو إلى منع ما شاع في عصره من التوسل في قضاء الحاجات بغير الله تعالى من الأنبياء والأولياء، ويفتي في الفقه بما قام الدليل عليه عنده، ولو لم يكن موافقاً لما قال به الأئمة الأربعة، ومن ذلك فتواه بأن الطلاق الثلاث من غير