انه لخطأ كبير أن نظن الحقائق العلمية تختلف اختلافا جوهريا عن تلك التي نشاهدها كل يوم وهي إن امتازت بشيء فبسعة إحاطتها ومبلغ دقتها، أما من الوجهة العملية فالاختلاف عظيم الأهمية، ويجب أن لا ننسى في نفس الوقت أن قوة الملاحظة عند العالم مقصورة على ظواهر الأشياء وما يجري في الطبيعة، ولكنها لن تستطيع أن تنفذ إلى باطن المادة أو تعرف شيئا عن حقائق الأشياء؛ والعين التي تستعين بالمجهر ما تزال عينا إنسانية؛ نعم أنها أكثر إبصارا من العين المجردة، ولكنهما لا تختلفان في الوسيلة. وان العالم ليزيد من صلات الإنسان بالطبيعة ومعرفته بها، ولكن يستحيل عليه بأي حال أن يحدد الخواص الجوهرية لتلك العلاقات المتبادلة بين الأثنين، وهو يشاهد كيفية حدوث بعض الظواهر الطبيعية ولن سبب حدوثها بمثل هذه الكيفية يبقى عليه كما هو علينا سرا محجوبا وبابا مغلقا.
وإننا لنبوء بالخيبة اللاذعة حين نتطلب في العلم قانونا أخلاقيا، فقد كان الناس يعتقدون منذ ثلاثمائة سنة أن الأرض مركز الكون، ولكننا نعلم الآن أنها جزء من الشمس قد انفصل عنها وأن هذا الكون الذي نحن فيه كذرة التراب الهائمة إنما هو في حركة دائمة وعمل مستمر لا ينفك ينشأ ثم يبيد، وأن الأجرام السماوية لا تفتأ تموت ثم تولد. ولكن من أية ناحية قد تغيرت طبائعنا وأخلاقنا بهذه الاستكشافات العظيمة؟ أترى الأمهات قد تأثر حبهن لأطفالهن قوة وضعفا؟ أم ترى تقديرنا لجمال المرأة قد كثر أو قل؟ أم أن نبض قلب البطل المغوار في صدره قد اختلف عن ذي قبل؟ كلا! فلتكن الأرض كبيرة أو صغيرة فماذا يعني الناس من كل هذا؟ أن في سعتها ما يكفي ليجعل منها مسرحاً للألم والحب، فهما منبعان متلازمان لجمالها الذي لا ينفد، نعم الألم ما أجله وأقدسه! وما أجهلنا بقدره وقيمته! فنحن ندين له بكل ما هو حسن فينا وكل ما يجعل الحياة جديرة بالعيش فيها، ندين له بعاطفة الرحمة والشجاعة وسائر الفضائل، وما الأرض الا ذرة من الرمل في اللانهاية المجدبة