قرأ عظيم من عظماء الفكر في مصر كتاب البخلاء للجاحظ في طبعة وزارة المعارف التي ضبطها وشرحها وصححها الأستاذان أحمد العوامري بك وعلي الجارم بك، عضوا مجمع اللغة العربية الملكي فرأى فيها بعض المآخذ على التصحيح أو على الشرح آثر حفظه الله أن ينشرها في الرسالة خدمة لهذا الكتاب القيم عسى أن تفيد من اقتناه في هذه الطبعة، ومن يريد أن يعيد طبعه عنها. ونحن ننشرها شاكرين للأستاذ العظيم فضله على اللغة، وعطفه على الأدب، وصلته بهما صلة الرجل الكامل الذي يأخذ كل شيء مأخذ الجد الصارم، وإن لم يكن من صميم عمله ولا من حر اختصاصه.
في الجزء الأول
في ص٢٨:(وإذا كان البكاء (الذي) ما دام صاحبه فيه فإنه في بلاء - وربما أعمى البصر وأفسد الدماغ ودل على السخف وقضى على صاحبه بالهلع، وشبه بالأمة اللكعاء وبالحدث الضرع - كذلك، فما ظنك بالضحك الذي لا يزال صاحبه في غاية السرور إلى أن ينقطع عنه سببه؟)
قال الشارحان: لم تكن (الذي) في النسخ التي بين أيدينا وقد أثبتناها من نسخة الشنقيطي ليكون المعنى بها أوضح.
ثم قالا في رقم ٥ من الشرح: وقوله (كذلك) خبر كان.
وأنا أرى إن كلمة (الذي) مقحمة لأنها تفسد المعنى، وأن جواب الشرط (إذا) هو قوله: فما ظنك بالضحك الخ. لا قوله (كذلك)؛ لأن كلمة كذلك إنما هي لضم (الحدث الضرع) إلى (الأمة اللكعاء) في تشبيه صاحب البكاء بهما، ومن الخطأ الفصل بين كلمتي الضرع و (كذلك) بتلك (الشرطة) - بذلك تتحرر العبارة، وتنزل على المعنى المعقول الذي يريده الجاحظ وهو أن البكاء مطلقا ما دام صاحبه متلبسا به فهو في بلاء؛ وربما أعمى البصر، وشبه بالأمة اللكعاء وبالحدث الضرع كذلك. وإذا كان هذا شأن البكاء على الإطلاق (أي لا شأن نوع منه) فما ظنك بالضحك الخ.
على أن من يريد إقحام (الذي) بعد كلمة البكاء لتقابل كلمة (الذي) الواردة بعد كلمة الضحك في جواب الشرط، لا بد أن يحذف الواو قبل كلمة (ربما أعمى) لتكون ربما وما بعدها