أمتاز سعد باشا - طيب الله ثراه! - بميزات كثيرة جداً منها غزارة العلم وفصاحة اللسان وقوة الشخصية، وكانت له مآثر كثيرة جداً، منها المآثر الآتية:
أولاً - استطاع سعد بشخصيته العاتية أن يغزو ملايين القلوب بالحب والبغض، فأحبه ناس إلى حد الجنون وأبغضه ناس إلى حد الحمق: ومن عجيب أمره أن الذين أحبوه كانوا صادقين والذين أبغضوه كانوا صادقين، وكانت الوطنية الصحيحة مصدر العواطف التي تفجرت في قلوب أصدقائه وأعاديه. وما أذكر أني عرفت أحداً يبغض سعد باشا حسداً، لأن سعداً كان أهلاً للعظمة، وما كان يخطر في بال أحد أن سعداً ينال من سموّ المكانة ما لا يستحق، وإنما أبغضه مبغضوه وطنيةً كما أحبه محبوه وطنيةً، وقد جُنّ أحد أعدائه فأطلق عليه الرصاص، كما جُنّ أحد محبيه فودَّع العقل إلى غير رجعة يوم مات
وقد كنت في مطلع الحركة الوطنية من أنصار سعد، ثم تمردت عليه تمرداً عنيفاً، فكتبتُ، في الهجوم عليه ما كتبت وقلت ما قلت وأنا موقن بأني أخدم وطني بمحاربة ذلك الرجل المسيطر الجبار، ولم يصدني عنه إلا الإتلاف الذي نعمتْ به مصر في سنة ١٩٢٦. فلما قضى نحبه بعد ذلك عرفت أني فقدت باباً من أبواب الثروة الروحية هو المعاداة في سبيل الوطن بلا ترفق ولا استبقاء
ماذا أريد أن أقول؟
أريد أن أقول إن سعداً قد استطاع إيقاظ الأفئدة المصرية فلم يعيش أحدٌ في عهده بلا روح ثائر أو قلبٍ خفّاق
كان المصريون لعهد سعد متحزِّبين بحماسة وصدق، ولم يكن فيهم رجلٌ واحد يواجه الشؤون الوطنية بلا اكتراث. فكان لأصدقائه جميعاً ولأعدائه جميعاً أقباس روحانية تشهد بأنهم لمبادئهم أوفياء. وأنصار الوفد وخصوم الوفد من الذين لهم في هذه الأيام قوة ذاتية قد تخرجوا جميعاً في مدرسة الحب ومدرسة البغض لعهد سعد، وكذلك نفع الرجل أعداءه كما نفع أصدقاءه، وبهذا صح القول بأنه أجج الجمرات التي صهرت أرواح الجيل الجديد.
ثانياً - اتفق لسعد أن يؤدي اللغة العربية خدمة عظيمة لا يتنبه لقيمتها إلا من يعرف ما