دالت دولة الأمويين وقامت على أثرها دولة بني العباس تسندها كواهل الفرس وتؤيدها سيوفهم، وكان لابد للدولة الجديدة من عاصمة جديدة، إذ يرى المتتبع لتاريخ العرب أن تغير العاصمة لابد منه عندما تتولى الحكم أسرة جديدة، ففي بدء الإسلام هاجر النبي (ص) من مكة واتخذ يثرب مقراً له فانتقل بذلك المركز السياسي لجزيرة العرب من مكة المدينة التجارية القديمة إلى يثرب التي سميت بعد مدينة الرسول، والتي أصبحت عاصمة الإسلام ومركز الحكومة، وبقيت كذلك في حياة النبي (ص) والخلفاء الراشدين الثلاثة من بعده أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما آلت الخلافة إلى علي عليه السلام اتخذ الكوفة مقراً، وحدث النزاع بينه وبين معاوية منافسه الذي مرت عليه عشرون سنة وهو أمير الشام. قد وطد فيها أمره وأسكن أقرباءه وأتباعهم، حتى إذا ما انتهى هذا النزاع بشهادة الإمام الحسن أصبحت دمشق حاضرة الإسلام، وكان موقعها مناسباً لأن تكون عاصمة حكومة الأمويين العربية، فهي واقعة وسط إقليم خصب، وهي قريبة من مكة والمدينة مركزي القوة الدينية كما أنها تقع على تخوم الصحراء العربية التي يتخذ الخلفاء من سكانها جنوداً يهاجمون بلاد الروم القريبة من دمشق أيضاً، ولم يكن يقلل من أهمية موقع دمشق أنها لم تكن واقعة على نهر صالح للملاحة، لأن تجارة المسلمين كانت حينذاك بسيطة تتبع طريق القوافل وتحمل على الإبل.
وإذا ما صلحت دمشق لأن تكون حاضرة الأمويين، فإنها لا تصلح أن تكون حاضرة بني العباس، فهي مأهولة بأتباع الأمويين ومناصريهم وهي بعيدة عن بلاد فارس، مصدر قوة العباسيين ودعامة ملكهم، وفضلاً عن ذلك فقد أصبحت مهددة بالروم الذين اغتنموا فرصة ضعف الأمويين، فأخذوا يشنون الغارة تلو الغارة، كي يثأروا لاندحارهم القديم، فالعاصمة الجديدة إذن يجب أن تتجه نحو الشرق قريبة من بلاد فارس، ثم إن التبسط التجاري يقضي أن تكون على ماء يصلها بالبحر ومن هذا تعين أن يكون موقعها إما على الفرات وإما على دجلة، حيث لم يتردد العباسيون أن يجعلوها هناك.
لما انتهى السفاح من حروبه ومذابحه ابتنى الهاشمية بجوار الأنبار
المدينة الفارسية القديمة، واتخذها مقراً له وتقع هذه الهاشمية على ضفة