من صفات الأزمات الاقتصادية أنها تعلم الناس الاقتصاد. وتحملهم على الاعتدال في كثير من مواطن الإسراف والتطرف، وقد دهمتنا الأزمة الاقتصادية منذ أربعة أعوام، فقضت على كل أسباب الرخاء والسعة، وألقت على ذوي البذخ والترف دروساً قاسية؛ ولكنها علمتنا من فضائل الاقتصاد ما لم نكن نعلم، وفتحت عيوننا إلى أمور كثيرة كانت دعة الرخاء تحملنا على إغفالها، وبثت إلى الأعصاب المضطرمة كثيراً من عوامل الهدوء، وإلى النفوس الجامحة كثيراً من عوامل الاعتدال.
وكان الاصطياف من الأمور التي كشفت لنا الأزمة بعض أسرارها؛ ففي أعوام الرخاء والسعة، كان المصريون في كل صيف يهرعون ألوفاً إلى عواصم أوربا ومصايفها، وينفقون مئات الألوف في فنادقها ومنتدياتها وملاهيها، ثم يعودون وقد استنفد التجوال الممتع كل ما في جيوبهم؛ وكان ما ينفقه المصريون كل عام في الاصطياف خارج القطر يبلغ زهاء المليونين، تذهب كلها إلى يد الأجانب. فلما حلت الأزمة، وذهبت بالدخل الفياض، قبع كثير من المترفين السابقين الذين كانت تجذبهم (موائد) دوفيل وبيارتز ومونت كارلو في دورهم، وذكر كثيرون أن هنالك مصايف مصرية يمكن انتجاعها، ولا تكلفهم ركوب البحار وإنفاق المئات والألوف، وذكر كثيرون أيضاً أن هنالك مصايف شرقية قريبة لا بأس بها.
كان للأزمة فضل هذا الاكتشاف. فبالأزمة وحدها اكتشف المصريون بلادهم، وعرفوا بعد فوات كثير من الوقت أن إنفاق الملايين خارج القطر على هذا النحو سفه لا يغتفر، وانهم يستطيعون بقليل من المال أن ينتجعوا الراحة والعافية في مصايف بلادهم كالإسكندرية وبور سعيد ورأس البر؛ وكان لما بذلته مصلحة السكك الحديدية لتسهيل الاصطياف أحسن الأثر، فقد شعر الناس أخيراً أن الاصطياف ليس ترفاً، وليس وقفاً على الأغنياء، ولكنه ضرورة صحية، وأنه في متناول جميع الطبقات.
وأتجه كثير من المصريين، ممن شاءوا الاصطياف خارج القطر، إلى مصايف البلاد الشرقية القريبة التي لا تجشمهم كبير نفقة، فأموا فلسطين والشام ولبنان، واستطاعوا أن