أن الأخذ بنظرية خاصة في تفسير الأحلام لا يؤدي إلى نتائج صحيحة في كثير من الاحوال؛ فمرامي الإنسان كثيرة التشعب وظروفه مستمرة التقلب، وأهدافه تتغير بتغير الظروف والملابسات وتفاوت السن، وتطور العقلية بحيث يكون من الخطأ أن يولي الحالم القبلة التي يرتضيها مفسر الحلم تبعاً لنظريته.
وإني أرى أنه لا توجد نظرية واحدة يمكن تفسير جميع الأحلام بمقتضاها. ونحن لا نستطيع أن نقول: أن كل حالم ينشد إرضاء رغبات طفلية محتبسة في العقل الباطن، أو أنه يسعى إلى توكيد أهمية ذاته في الحلم، كما أنا لا نستطيع أن نجزم بأن الأحلام التي تنشأ مما يسميه يونج (اللاوعي الشامل) تتحدى أية محاولة لتبريرها.
أن ما لا نستطيع تبريره ليس معناه أنه لا يمكن تبريره والتدليل عليه. ولا ينبغي لنا أن نقول: أنه لا يمكن الوصول إلى الحقيقة لانا لم نستطع الوصول إليها؛ فما زال مجال البحث والاستقصاء متسعا، وما زالت العقلية البشرية تسمو نحو الكمال رويداً رويداً على مر الزمن.
على أن هذا ليس من شأنه أن يبخس النظريات التي وضعها علماء النفس حقها، إذ يكفيهم فخراً أنهم فتحوا أذهاننا للبحث، واستكشفوا آفاقاً مجهولة من العقل البشري، وأرسلوا بصيصاً من النور على كثير من الحقائق. ومع ذلك فإن بعض النظريات التي وضعت تصلح لتفسير بعض الأحلام دون البعض الآخر. ومن الممكن أن يفسر حلم واحد على أساس نظريتين أو أكثر نظراً لتعدد جوانب بعض الأحلام وتشعب مراميها.
كثير من الأحلام تافه القيمة من الوجهة النفسية، فهو أشبه بالأحاديث العادية التي يدلي بها الشخص بمناسبة وبغير مناسبة، لأنه لا يستطيع الصمت في اغلب الأحوال، فلابد أن يقول شيئاً أيا كان للتفريج عن الطاقات الفائضة في نفسه.
وقد تعبر الأحلام على وتيرة الأحاديث البادية أو على نمط الرموز البدائية أو على نهج الأفكار والنزعات الطفلية. على أو لبعض الأحلام قيمة المقطوعات الشعرية الرائعة، أو الصور الزيتية الجميلة، أو النغمات الموسيقية الساحرة.