للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مائدة المسيح ومجاعة الشيطان]

للأستاذ منصور جاب الله

في ساعة العسرة، وبين تخون الظروف وطغيان الأحداث، يلتمع في آفاق الدنيا شهاب ثاقب إذ تلف العالمين ذكرى ميلاد عيسى بن مريم، يوم أهل المسيح على الأرض فأشرقت بنور ربها وحفتها الملائكة الأبرار.

وسرت البشرى بمولد المسيح من أرض الميعاد إلى سائر الأمصار، فشملت الفرحة الخلائق كلها. وانبثقت رسالة المسيح من أرض السلام تدعو للسلام.

حتى إذا عصفت بسلامة الدنيا أمة من النوب والهزاهز والإحن، بقيت أفئدة من الناس تهوى إلى بيت لحم، منبت المسيح ومهاده، فهناك القداسة، وهناك الطهارة، وهناك الوئام.

وفي عشية عيد الميلاد يستضيف المسيح الطاهر على مائدته القدسية أولئك الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فهاموا في البرية جياعاً طاوين (عارين من حلل كاسين من درن) كما قال المتنبي قبل ألف عام، تتلقفهم البلدان وتترامى بهم الفيافي وتتقاذفهم السبل، يستضيف المسيح هؤلاء اللاجئين الأحرار، ومعهم أرواح الشهداء الأطهار، فأقرب ما يكون المرء إلى ذكر الكرم وقرى الضيفان حين يكون جائعاً عارياً، شريداً في الفيافي والبراري، يعضه الفقر وتمزقه الأوصاب.

(إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) فلم يطلبوها جحودا ولا كنوداً، وإنما أرادوها سكناً لقلوبهم واطمئناناً لعقائدهم.

وإذ جأر المسيح عليه السلام بالدعاء (اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك) نزلت سفرة حمراء بين غمامتين والناس قيام ينظرون حتى استوت بين أيديهم بكى المسيح وهو يقول (اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها مثلة ولا عقوبة) ثم رفع عنها الغطاء فإذا سمكة مشوية، لا حسك فيها ولا قشر عليها ولا فلوس، تسيل دسماً ودهناً، وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل، ومن حولها صنوف من البقل والخضر جميعاً، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>