يا ويح قلب ينبض بالحب والهوى ةيخفق بالصبا والغرام على حين قد جاوز سن الطيش وطوى أيام العبث! ولكن ماذا عسى أن يضير المرء إن هو نفض عن نفسه أغلالها ساعة من الزمان ليستمتع برواء الحياة ورونق العمر، هناك على سِيف البحر، حيث تضطرب الدنيا بالجمال والمرح وتموج الأرض بالشباب والحركة؟
لشد ما راع صاحبي أن أستمرئ الوحدة وأستعذب الخلوة فأقضي صدر يومي وحيداً في ناحية من الشاطئ، أستروح نسمات البحر في شغف ولذة، وأنشق عبير الحياة في هدوء بعيداً عن نزوات الشاطئ ومباذله، وأنطوي على نفسي أحدثها حديث عقلي حيناً وحديث قلبي حيناً آخر، ثم أوفق خواطري بين أضعاف كتاب اخترته رفيقاً لي. ولشد ما آذاه أن ألصق في مكاني لا أريم إلا حين تدعوني حاجات الدار أو رغبات الابن أو شهوة البطن.
وإنه لنزَّاع إلى اللذة وصاحبي فتى عذب تتدفق الحياة في قلبه مرحاً وسعادة، وتتألق الدنيا في ناظريه حبوراً ودعة، تجذبه الفكاهة ويستخفه الطرب، لا تشغله الزوجة ولا يرهقه الولد ولا تثقله الدار.
وعجب صاحبي أن أفزع من حر القاهرة لأتخذ خلوة على الشاطئ، فأراد أن يستشف ما وراء. . . وحاول - مرات ومرات - أن يكشف عن سر صاحبه - أنا - وإنه ليرى فيه شغل البال وقلق الضمير، فما كان ليظفر مني إلا بنظرة خاطفة أو كلمة عابرة ثم يضيق بي فينطلق من لدني ليتسكع على الشاطئ أو ليسبح في البحر أو ليملأ ناظريه من جمال الأجسام العارية الملقاة على الرمال.
ولكن صاحبي كان ضيق الصدر قليل الصبر فأصر على أن ينفذ إلى سر نفسي - كزعمه - في لباقة ومكر، فجلس إليَّ يحدثني قائلاً: هلا حدثتني عن بعض ما يفدحك؟ (قلت) يفدحني؟ يفدحني أنا؟ ماذا بك؟ (قال) لعلك جئت إلى هنا تريد أن تدفن همومك في رمال الشاطئ أو تطمع في أن تغرقها في لجة اليم! فقلت له مقاطعاً (على رسلك! يا صاحبي) ولكنه استمر في حديثه لا يعبأ: فلما أعجزك أن تفعل جلست في ناحية تبدأ فيها ثم تعيد