قال التاجر: يبدو أن السلطان مولع كل الولوع بإقامة المباني الجميلة والمنازه الرائعة الممتازة
المستوفي زكي الدين: نعم إنه لكذلك. ولعلك تشير إلى ما أسسه في الميدان تحت القلعة، ذلك الميدان الذي كان فناء موحشا، وفضاء خاليا. لقد صيره قطعة من الجنة، وأصبح بما بناه فيه من القصور، وما أنشأه من البساتين وما غرسه من الأشجار، منزها ممتازا من منازه مصر. وقد أنفق في سبيل ذلك نحوا من ثمانين ألف دينار. . . لقد بدأ بتعلية حيطان سوره ودك أرضه وتسويتها. ثم بنى في وجهته الغربية مقعدا وقصرا فخما وحجرة خاصة وبركة جميلة كبرى يبلغ اتساعها نحوا من أربعين ذراعا، وبنى غير ذلك فيه من الأبنية
وقد جلب إلى بساتينه أشجار الفاكهة من مختلف الألوان وأعواد الأزهار والرياحين، وأجرى إليها المياه من النيل، برفعها السواقي في مجار خاصة
وأنشأ كذلك قصرا على باب الميدان، وطلا على الرميلة، ومهد الطريق بين القلعة والميدان بممشى جميل يتصل بالقصر بوساطة سلالم لطيفة. وأقام للميدان بابين أحدهما كبير ضخم، وهذا فضلا عما بناه من سبل وما جدده من أبنية. فقد جدد من قاعات القلعة الشهيرة، قاعة العواميد، والقاعة البيسرية. ولقد علمنا أنه أغلظ على القاضي شهال الدين أحمد ناظر الجيش هو وأخوته بأن ينزعوا الرخام النفيس من (نصف الدنيا) وهي قاعة والدهم المشهورة، ورخامها نادر المثال، أنفق أبوهم في سبيل اقتنائه مالا جزيلا، وجهدا وفيرا. وكانوا يعتبرون هذا الرخام أثرا عزيزا من آثار أبيهم. فانتزعه منهم السلطان قوة وقهرا، ليجمل به هاتين القاعتين وغيرهما. فأصبحت كل منهما زينة للناظرين، وفتنة للعيون؟ وبعد تجميلها انتقلت خوند زوجة السلطان إلى القلعة، بعد أن ظلت زمنا طويلا مقيمة ببيت الأمير ماماي بين القصرين؟ وكان يوم انتقالها حافلا. . . لقد بسطت على رأسها القبة