[شكوى الشيخ إلى ابنه]
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
أبوك بان يردى بنىَّ مهدُ ... كأن الردى سيف عليه مجرد
ويشكو تباريحاً تكاد تهده ... وشيخوخة ليست عن الموت تبعد
أحسُّ بقرٍ في عروقي وأعظمي ... يكاد دمي منه بجسميَ يجمد
أقادُ إذا رمتُ المضيَّ لحاجة ... وأمشي كما يمشي الأسير المقيد
كأنك بي شلواً على النعش سائراً ... وعما قليل في التراب يوسَّد
وليس مخيفي الموت إن هو زارني ... ولكن وراَء الموتِ شملٌ مبدَّد
تعال فقبلني بني مودَّعا ... فانّ فراقي عنك يا ابني مؤبَّد
ولي من حياتي يا بُني بقيةٌ ... ولكنها عما قليل ستَنْفُذ
بنيَّ أقم حيناً بجنبي فإنني ... على غير ما قد كنتَ من قبل تعد
أبوك من الآمال جرَّد نفسه ... وأنت فتى فيه المنى تتجدد
ولم يك حظاًنا من الدَّهر واحداً ... فلي الأمس من أيامه ولك الغد
أنا اليوم أشقى بالمشيب ووهنه ... وأنت بشرح من شبابك تسعد
لعمرك لا عهد المشيب الذي به ... برمت ولا عهد الشبيبة سرمد
وما نحن إلا كالسيوف بحومةٍ ... نجردُ حيناً للوغى ثم نغمد
ستحدثُ فوق الأرض أشياء جمةٌ ... وأنت لها بعدي بنيَّ ستشهد
خلقت لعهد غير عهدي فلا تكن ... جباناً إذا ما ضيمَ لا يتمرد
وما الشيب شعرٌ أبيض فوق مفرقي ... ولكنه نار على الرأس توقد
وليست حياة بالأياس شقيةٌ ... كأخرى بادراك الأمانيَّ ترغد
تفتح ورد السؤل إلا بروضتي ... وما قيمة الروض الذي لا يورد؟
أغرّد في روض الحياة كبلبلٍ ... ومن بعد حين موشك لا أغرّد
سأرحل عن دنيا إلىّ حبيبةٍ ... بها هام حتى الزاهدُ المتعبد
تحاول نفسي بالحياة تمسكاً ... ولكنما خيط الحياة معقَّد
بنيَّ وإني ذاهب غير أيبٍ ... إلى حيث يبلى الجسم منى ويفسد