للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في سبيل الإصلاح]

أخلاقنا. . .

للأستاذ علي الطنطاوي

نحن اليوم (في أكثر بلدان الشرق الإسلامي) في دور يقظة، ومطلع نهضة، ولكل نهضة جسم وروح؛ أما الجسم فهذه السياسة وما يتصل بها، وهذه الدواوين الحكومية وما يكون فيها، وهذه القوانين والأنظمة وما ينشأ عنها؛ وأما الروح فهو الأخلاق والعقائد والمثل العليا. فروح الحكم الإخلاص والقناعة والعدل بين الناس، وروح الوظيفة الاستقامة ومعرفة الواجب، وروح الديمقراطية الإرادة المشتركة وضمان المصلحة العامة، وروح المدرسة تنشئة جيل المستقبل على المثل العليا، وروح الصحافة نشر الحق والفضيلة والخير. . . فهل امتدت نهضتنا إلى الروح، أم هي قد اقتصرت على الجسم وحده، لم نعن إلا به، شأننا في كل أمر من أمورنا حين نهتم بالقشور ونقف عند الظواهر؟

الجواب عند القراء، لا حاجة إلى إثباته في هذا المقال. ولكن الحاجة ماسة إلى كتاب ومربين وعلماء، يستقرون أخلاقنا التي نحن عليها، ويصنفونها ويقومونها، ويرون ما يجب أن يبقى فيعملون على تثبيته ونشره، وينظرون ما ينبغي أن يبدل أو يعدل، فيسخرون المدرسة والصحافة والقوانين لتبديله وتعديله، لنتشأ أمة المستقبل على الأخلاق الصالحة التي تستطيع أن تبلغ بها ما تريد من مجد وعلاء، وتتبوأ المكان اللائق بها بين الأمم، وتلقي هذه الأخلاق التي ورثناها من الحكم التركي الطويل، وبلغت بنا قعر الهاوية التي نحاول اليوم النجاة منها، ونعود إلى أخلاقنا الإسلامية التي قبسها منا الغربيون فأفلحوا بها ونجحوا. . .

من هذه الأخلاق التي يجب أن نتخلص منها أننا لا نعرف التعاون ولا نقدر أن نعمل مجتمعين. فالفرد منا عامل منتج، ولكن الجماعة عاجزة عقيمة، ومن نظر إلى انتشار الشركات في الغرب على اختلاف أنواعها، والجمعيات على تنوع غاياتها، والأحزاب والنوادي، ورأى ما عندنا من ذلك رأى أنه ليس إلى المفاضلة من سبيل. . . وعلة ذلك الأنانية المفرطة، والأثرة الجامحة، وحب الذات الطاغي، فالرجل منا يريد أن يكون هو كل شيء في الجمعية أو الشركة، رئيسها إن كان لها رئيس، أو ناموسها (سكرتيرها) إن لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>