قالت فيلو مينا:(لقد سمعتم من بامفيلو قصة رائعة تظهركم على قوة الحب وأثره في النفوس؛ وأنا ذاكرة لكم قصة أخرى تكشف عن قوة الصداقة وفعلها في الناس: وقعت حوادثها في عهد أوكتافيوس قيصر إذ كان حاكماً لروما
فصل من روما إلى أثينا شاب يدعى تيتوس ليدرس الفلسفة، وهناك عربي شاباً أثينياً شريفاً أسمه جيزيبوس، واتصلت بين الفتيين أسباب الصداقة والمحبة. ومضت سنون ثلاث تعمل على توثيق هذه الأسباب، والفتيان لا يفترقان في مسكن أو مأكل أو درس
وقدر لجيزيبوس الأثيني أن أغرم بفتاة جميلة من بنات جنسه تدعى (سوفرونيا)، وحببت إليه الفتاة، وحبب الفتى إليها، واتفق المحبان على الزواج
ورأى جيزيبوس قبل الزواج ببضعة أيام أن يصحب صديقه الروماني تيتوس إلى بيت الفتاة لزيارتها، وهو يعهد فيه نبلاً في الطبع، وشرفاً في النفس لا سبيل إلى الشك فيهما، وما أن رأى تيتوس الفتاة حتى أقصده حبها بسهم مصيب، واشتدت به تباريح الهوى، فما يغمض له جفن، ولا يهنأ له طعام. وما زال الحب يلح عليه حتى أضناه، ويسرف في النيل منه حتى أضواء، وأصبح الفتى سقيما عليلاً لا يرجى شفاؤه، ولا يرحم داؤه، وساءت به الحال، حتى أشفى على الزوال
وعز على صاحبه ما أصابه، وذهبت به الظنون كل مذهب في سبب علته، وأخذ يسائله عن مصدر أحزانه، ومبعث أشجانه، والفتى لا يستطيع جواباً بغير الدمع ينهمر من مآقيه، والصمت لا يبرح على فيه؛ ولما أسرف عليه صاحبه في السؤال وألح، قال: (يا صديقي،