جاء في امتحان شهادة إتمام الدراسة الابتدائية لهذا العام في موضوع الإنشاء ما يأتي:
(تقابل قطان أحدهما سمين تبدو عليه أثار النعمة، والآخر نحيف يدل منظره على سوء حاله؛ فماذا يقولان إذا حدث كل منهما صاحبه عن معيشته؟)
وقد حار التلاميذ الصغار فيما يضعون على لسان القطين، ولم يعرفوا كيف يوجهون الكلام بينهما، وإلى أي غاية ينصرف القول في محاورتهما؛ وضاقوا جميعاً وهم أطفال - أن تكون في رءوسهم عقول السنانير؛ وأعياهم أن تنزل غرائزهم الطيبة في هذه المنزلة من البهيمية ومن عيشها خاصة، فيكتنهوا تدبير هذه القِطاط لحياتها، وينفذوا إلى طبائعها، ويندمجوا في جلودها، ويأكلوا بأنيابها، ويمزقوا بمخالبها.
قال بعضهم: وسخطنا على أساتذتنا أشد السخط، وعبناهم بأقبح العيب؛ كيف لم يعلمونا من قبل - أن نكون حميراً، وخيلا، وبغالاً، وثيرانا، وقردة، وخنازير، وفئرانا، وقِططة وما هب ودب، وما طار ودرج، وما مشى وانساح؛ وكيف - ويحهم - لم يلقنونا مع العربية والإنجليزية لغات النهيق، والصهيل، والشحيج، والخوار، وضحك القرد، وقُباع الخنزير، وكيف نصئ ونموء، ونلغط لغط الطير، ونفح فحيح الأفعى، ونكش كشيش الدبابات، إلى ما يتم به هذا العلم اللغوي الجليل الذي تقوم به بلاغة البهائم والطير والحشرات والهمج وأشباهها. .؟
وقال تلميذ خبيث لأستاذه: أما أنا فأوجزت وأعجزت، قال أستاذه: أجدت وأحسنت، ولله أنت! وتالله لقد أصبت! فماذا كتبت؟ قال كتبت هكذا:
يقول السمين: ناوْ، ناوْ، ناوْ. . . فيقول النحيف: نَوْ ناوْ، نَوْ. . فيرد عليه السمين. نَوْ، ناوْ، ناوْ. . فيغضب النحيف، ويكشر عن أسنانه، ويحرك ذيله ويصيح: نَوْ، نَوْ، نَوْ. . . فيلطمه السمين فيخدشه ويصرخ: ناوْ. . . فيثب عليه النحيف ويصطرعان وتختلط (النّونَوَة) لا يمتاز صوت من صوت، ولا يبين معنى من معنى، ولا يمكن الفهم عنهما في هذه الحالة إلا بتعب شديد بعد مراجعة قاموس القِطاط. .!
قال الأستاذ: يا بني، بارك الله عليك! لقد أبدعت الفن إبداعا فصنعت ما يصنع أكبر