للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النوابغ، يظهر فنه بإظهار الطبيعة وإخفاء نفسه، وما ينطق القط بلغتنا إلا معجزة لنبي، ولأنني بعد محمد صلي الله عليه وسلم؛ فلا سبيل إلا ما حكيت ووصفت، وهو مذهب الواقع، والواقع هو الجديد في الأدب؛ ولقد أرادوك تلميذا هراً، فكنت في إجابتك هرا إستاذاً، ووافقت السنانير، وخالفت الناس، وحققت للممتحنين أرقى نظريات الفن العالي، فان هذا الفن إنما هو في طريقة الموضوع الفنية، لا في تلفيق المواد لهذا الموضوع من هنا وهناك؛ ولو حفظوا حرمة الأدب، ورعوا عهد الفن لأدركوا أن في أسطرك القليلة كلاماً طويلاً بارعاً في النادرة والتهكم، وغرابة العبقرية، وجمالها وصدقها، وحسن تناولها، وإحكام تأديتهالما تؤدى؛ ولكن ما الفرق يا بني بين (ناو) بالمد، و (نو) بغير مد؟. . . قال التلميذ: هذا عند السنانير كالإشارات التلغرافية: شرطة ونقطة وهكذا. قال يا بني ولكن وزارة المعارف لا تقر هذا ولا تعرفه، وإنما يكون المصحح أستاذاً لا هراً. . . والامتحان كتابي لا شفوي. قال الخبيث: وأنا لم اكن هراً بل كنت إنسانا، ولكن الموضوع حديث قطين، والحكم في مثل هذا لأهله القائمين به، لا المتكلفين له، المتطفلين عليه؛ فان هم خالفوني قلت لهم: اسألوا القطاط؛ أو لا فليأتوا بالقطين: السمين والنحيف، فليجمعوا بينهما، وليحشروهما ثم ليحضروا الرقباء هذا الامتحان، وليكتبوا عنهما ما يسمعونه وليصفوا منهما ما يرونه، فوالذي خلق السنانير والتلاميذ والممتحنين والمصححين جميعا - ما يزيد الهرَّان على (نو، وناو) ولا يكون القول بينهما إلا من هذا، ولا يقع إلا ما وصفت، وما بد من المهارشة والمواثبة بما في طبيعة القوي والضعيف، ثم فرار الضعيف مهزوماً، وينتهي الامتحان!

إن مثل هذا الموضوع يشبه تكيف الطالب الصغير خلق هرتين، لا الحديث عنهما؛ فأن إجادة الإنشاء في مثل هذا البابألوهية عقلية تخلق خلقها السوي الجميل نابضاً حياً كأنما وضعت في الكلام قلب هر، أو جاءت بالهر له قلب من الكلام. وأين هذا من الأطفال في الحادية عشرة والثانية عشرة وما حولهما؛ وكيف لهم في هذه السن أن يمتزجوا بدقائق الوجود، ويداخلوا أسرار الخليقة، ويصبحوا مع كل شيء رهناً بعلله، وعند كل حقيقة موقوفين على أسبابها. وقد قيل لهم من قبل في السنوات الخالية (كن زهرة وصف. واجعل نفسك حبة قمح وقل) وإنما هذا ونحوه غاية من ابعد غايات النبوة أو الحكمة؛ إذ النبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>