جاء في صحيح البخاري إن النبي عليه الصلاة والسلام عندما جاءه الموت قال (ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً) فقال بعض من حضر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله) فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول (قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده) ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوموا)، ولم يكتب لهم شيئاً.
ولعل الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يريده من ذلك أن يأمر بطريق الحكم بعده، ولكنه لم يكن ليفعل شيئاً عبثاً فلم يمض في ذلك وترك الأمر لأصحابه وأمته يختارون لأنفسهم ويجتهدون في أمثل الطرق لحكومتهم.
ولم يكن من قبل ذلك نظام مقرر لاختيار الخلفاء فكان على المسلمين أن يبتكروا من الخطط أمثلها في نظرهم بحسب ما تقتضيه الظروف والأحوال. وقد كان في الإسلام دوائر متعددة عند موت النبي. فقد كان هناك الأنصار أهل المدينة، وبين ظهرانيهم المهاجرون من أهل مكة، وكان هناك أعيان مكة من القرشيين المقيمين في عاصمتهم القديمة. وخارج هاتين المدينتين كانت قبائل العرب، بعضهم من قبائل اليمن وبعضهم من قبائل مضر، وكان كل من هذه الدوائر يشعر بالغيرة والأنفة أن يكون تابعاً للدائرة الأخرى، إذ أن الإسلام وإن هذب عصبية العرب وصرفها نحو الخير، لم يقض عليها أو ينزعها من القلوب كلها. فرفع الأنصار صوتهم أول شيء فقالوا أنهم أحق بالأمر، وتنادوا باسم زعيمهم سعد بن عبادة، وهتف بعضهم هتافاً كأنما يدعو إلى تحكيم السيف بالأمر. ووقف المهاجرون إلى جانب إخوانهم الأنصار يجادلونهم بالحسنى، ويذكرونهم بما وجب عليهم من الحق في ذلك الوقت العصيب، وما كان الأنصار ليثبوا وراء داعي الشقاق من أجل الحكم، وهم الذين قنعوا من قبل بأن يتركوا غنائم النصر الذي أحرزوه في وقعة حنين للمؤلفة قلوبهم ورؤساء الأعراب الذين لم يكن لهم كبير أثر في نصرة الإسلام، وقنعوا بأن