(. . . فأما عزها - يعني العرب - ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد، ووطدوا الملك، وقادوا الجند لم يطمع فيهم طامع، ولم ينلهم نائل. . .)
وهذا قول لا يقوله عامل لمعلمه، ولا وال لموليه. وكيف يلغو بمثله وجند كسرى في بلاده وفي اليمن يجوس خلالها، والدرفس يخفق فوق الرؤوس
إنما كان النعمان شرطيا عند كسرى يصد المدلغفين والقراضيب عن اجتياز التخوم. كان أمير (الحيرة) لا ملك (الجزيرة) يدعو - آمرا - هذا من اليمن وذاك من نجد وذلك من تهامة وغيرهم من غيرها فيبادرون إليه، ويمثلون بين يديه، ويقول: قد سمعت من كسرى كيت وكيت ففدوا عليه (فإذا دخلتم نطق كل رجل بما حضره ليعلم أن العرب على غير ما ظن أو حدثته نفسه)
لم يكن النعمان هناك - كما زوقه المزوق المنمق. ولما غضب عليه كسرى - والسبب الحق للغضب مجهول - ضاقت عليه الأرض، ولم ينفعه أو ينجده مثرثر من جماعة (الوفد)(وأقبل يطوف على قبائل العرب ليس أحد منهم يقبله)(وأراد طيئا على أن يدخلوه الجبلين ويمنعوه فأبوا ذلك عليه، وقالوا له: لولا صهرك لقاتلناك، فإنه لا حاجة لنا إلى معاداة كسرى، ولا طاقة لنا به)(غير أن بني رواحة بن قطيعة بن عبس قالوا: إن شئت قاتلنا معك، لمنة كانت له عندهم، قال ما أحب أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى)، ثم (أتى هانئ بن مسعود فاستودعه ماله وأهله وألف شكة، ويقال: أربعة آلاف شكة، والشكة السلاح كله) وهذا قول أبي الفرج في الأغاني. والطبري في تاريخه يقول:(والمقلل يقول: كانت (٤٠٠) درع، والمكثر يقول: كانت (٨٠٠)) ومضى إلى سيده كسرى (فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقيده وبعث به إلى سجن كان له بخانقين فلم يزل فيه حتى وقع الطاعون هناك فمات فيه)، وقيل (بل مات في ساباط في حبسه) وقيل (ألقاه تحت أرجل الفيلة حتى مات)، وقيل (لم يزل محبوساً مدة طويلة، وإنما مات بعد ذلك بحنين قبيل الإسلام) (فلما قتل كسرى النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة وما كان