للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الباقي على قيد الحياة]

للقصصي الفرنسي بلزاك

ترجمة حسن محمد حبشي

حين دقت ساعة مدينة (مندا) الصغيرة مؤذنة بانتصاف الليل، كان ضابط فرنسي شاب متكئاً على حافة سياج طويل يحيط بالقلعة، غارقاً في لجة التفكير العميق، وذلك أمر غير مألوف بالنسبة لما يحيط به، ولكنه كان منصرفاً عن كل ما هو فيه من وقت وليل ومكان إلى التفكير القوي، وكانت سماء أسبانيا الجميلة تمتد في زرقة صافية فوق رأسه، وقد رصعت بالنجوم الألاءة، وضوء القمر الساطع ينير هذا الوادي الجميل الممتد تحت قدميه، وهو يشرف على مدينة (مندا) ويعلوها بمائة قدم؛ وكأن الطبيعة قد هيأتها هكذا لتكون في مأمن من رياح الشمال الآتية من هذه الصخرة الكبيرة التي تقوم عليها القلعة، وإذ أدار الضابط رأسه، أبصر البحر يكتنف البلدة بأمواهه الفضية، وكأنه قد استحال إلى قطعة من اللجين الذائب، وكأن القلعة كوكب أو جوهرة ضوء وهاج، وكان وهو في مكانه، يسمع صدى رنات الموسيقى، وعربدة الضباط في الحفلة الراقصة، وقد اختلط ذلك بهمهمة الأمواج الآتية من بعد، وكأن نسيم البحر والليل جددا نشاطه المنهوك، زد على ذلك ما حوله من حدائق فيحاء، وزهور عطرية الشذا، نفاحة الأريج، فكأنه مغموس في حمام من العطر الزكي

وكانت قلعة (مندا) في حوزة شريف أسباني، اتخذها وأسرته دار إقامة، وكانت ابنته الكبرى (كلارا) الجميلة ترمق الضابط الفرنسي الشاب بنظرات مبهمة، وإن كانت تنم عن حزن عميق

وكانت كلارا هذه فتانة رائعة الحسن، فوقع جمالها في قلب الضابط الفرنسي موقع الماء من ذي الغلة الصادى، فوقف واجماً يفكر في هذا الجمال، وبالرغم من أن ثروة أبيها كانت طائلة، وموزعة بينها وبين أخواتها الثلاثة وأختيها، فقد رأى فكتور مارشاند (الضابط) أن فيها الكفاية لأن تكون الدوطة كبيرة، ولكن كيف يتسنى له أن يخطب يد (كلارا) ابنة الشريف الأسباني، وهو ابن تاجر صغير في باريس، أضف إلى ذلك ما بين الأسبان والفرنسيس من إحن

<<  <  ج:
ص:  >  >>