والزعيمان هما أحمد عرابي المصري، وإبراهام لنكولن الأمريكي، وكلاهما كان صاحب دور حاسم في تاريخ وطنه، وكلاهما كانت سيرته موضوع كتاب من تأليف كاتب واحد، وهو الكاتب المحقق الأستاذ محمود الخفيف.
تقرأ في الصفحات الأولى من كتاب أحمد عرابي:(مهما يكن في الأمر فما أحسب أن في الناقمين على عرابي من يستطيع أن يماري في أنه كان زعيم حركة وداعية فكرة، وأنه - أخطأ أو أصاب - كان مخلصاً فيما يفعل أو يقول، وأنه قبل ذلك كله، وفوق ذلك كله، كان أول مصري فلاح في مصر الحديثة نجم من بين عامة الفلاحين في قرية من قرى مصر فاضطلع بقضية من القضايا الوطنية الكبرى).
ثم تقرأ الكتاب إلى صفحاته الأخيرة فتخرج منه بهذه الصورة التي إرتسمها المؤلف وثبت ألوانها وظلالها بالوقائع والأسانيد وجمع لها من الوثائق ما لا غنى عنه في فهم هذا الزعيم، ولا في فهم مصر الحديثة وعوامل نهضتها ودخائل تاريخها في الجيلين الأخيرين:
ومما لا شك فيه أن زعيم الثورة المصرية في القرن التاسع عشر قد أصاب وأخطأ، وقد نجح وأخفق، وقد أحسن وأساء. ولكنه لم يكن قط خائناً متواطئا مع الإنجليز على مصلحة وطنه كما افترى عليه خصومه، وإنما خانه التوفيق كما خانه بعض أعوانه، وكان تصرف الإنجليز معه بعد إخفاقه تصرفا طبيعياً لا غرابة فيه إذا رجعنا إلى المعهود من سياستهم ومن خططهم في معاملة أمثاله، فهم لم يرفعوا عنه العقوبة القصوى لتواطؤه بينهم وبينه قبل الثورة العرابية أو بعدها، ولكنهم فعلوا ذلك لأنهم لم يعاقبوا أحداً من الزعماء الوطنيين بعقوبة أشد من عقوبته كما رأينا في مصر والهند والسودان وأفريقية الجنوبية وغيرها من البلدان التي كانت لهم يد في محاسبة زعمائها، ولأنهم من الجهة الأخرى كانوا يسوغون احتلالهم لمصر بفساد الأحوال فيها، فلم يكن في وسعهم أن يحكموا بأقصى العقوبة على رجل يثور على فساد الأحوال.
وليس تمحيص التاريخ المصري، ولا تمحيص الزعيم المصري، كل ما يستفاد من قراءة كتاب الأستاذ الخفيف عن فترة الثورة العرابية، فإن أساليب السياسة الأوربية في القرن