للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[جي دي موباسان]

١٨٥٠ - ١٨٩٣

بقلم محمد سليمان علي

حياته:

ربما ظل جي دي موباسان كاتباً خامل الذكر في القسم المدني الفرنسي طيلة حياته لولا إيحاء جوستاف فلوبير. فقد اكتشف الروائي العظيم مخايل النبوغ في الطالب الذي كانت غايته من الحياة الدنيا على حد اعترافه أن يكون (حيواناً كامل الصحة) والذي أطلق وهو في الثالثة عشرة على الدين أسم (اللاشيء الأبدي)

وكانت أمه تعتزم أن تجعل منه مؤلفاً نابهاً. وربما كان فلوبير باعث هذا الأمل، فقد كان يعرف لورا موباسان قبل زواجها من جستاف دي موباسان الفتى المتأنق الذي هجرها بعد أن جردها من كل شيء. وكان فلوبير ولورا يتراسلان بلا انقطاع، فكان يسدي النصح إليها فيما يختص بتربية ابنيها هرفيه وجي. ولقد كان لهما بمثابة الأب الناصح على نقيض أبيهما الذي كان يتجنب المسؤولية ويحب اللهو، حتى حرم بإسرافه ابنيه من فرصتهما في الحياة. ولقد كان (جي) وهو صبي (كجواد طليق في أحد الحقول)، وفي (اللبسيه امبريال نابليون) برع في الرياضة والسباحة، والنكات العملية الأنيقة؛ وفي الثالثة عشرة كان فلوبير يقرأ المحاولات الأولى في الشعر لمتبناه

وبعد أن غادر موباسان المدرسة بدأ يدرس القانون، غير أن المال أعوزه فلم يتم الدرس، واضطر أن يلجأ إلى حمى الوظيفة التي كانت غاية الوقار والأمان عند أسر الطبقة الوسطى. وكان موظفاً قديراً. وظل سنين عدة في منصب مغمور، يتناول مرتباً ضئيلاً لا يكفي رغباته المسرفة. ولكنه لم يتعجل لتعزيز وسائله بالكتابة، أللهم إلا بضع مقالات لجرائد ومجلات أدبية. فقد كانت يد حكيمة، قائدة، تسدد مستقبله الأدبي. وكان يرد على إلحاح أمه إذ تطلب منه قطعاً رائعة: (لم يحن الوقت بعد. إنني أتعلم صناعتي) وكان يكتب بعزم دون كلل، ويعرض كل سطر على فلوبير ليصححه أو يكتبه له من جديد، وما اشتكى موباسان قط ولا كد نفسه

<<  <  ج:
ص:  >  >>