للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستمرت تلمذته ثلاث عشرة سنة تلاها عشر من الغنى والمجد. ولما تخلص من خمول الوظيفة، وأصبح سمير الأبهاء الفرنسية، تعطش للنجاح، بيد أنه على أثر سقوطه النسبي كمؤلف مسرحي اعتراه ذلك الأسى الذي ألقى ظلاً قاتماً على الجزء الأخير من حياته. (فالتكرار) وهي المسرحية التي كان بها جد فخور، لم تمثل إلا بعد إحدى عشرة سنة من وفاته

وقد انتصر الكاتب على حساب (الحيوان كامل الصحة)؛ فقد كان من مغامراته أن يلقى بنفسه في السين وهو في لباسه ليدهش مواطنيه الباريسيين المتكلفي الاحترام، وأن يصطاد في الهواء والماء، وان يلاكم ويبارز بالسيف، وأن يجوب البلاد والأمصار. إلا أن حياة الحيوان في دي موباسان لم تكن في واقع الأمر في حدود الصحة، فقد فرط في قواه الجسمانية، وعبث بالصحة التي كان يقدرها فوق كل شيء. ولقد قدر (لثور بريتاني) كما كانوا يدعونه لضخامة جسمه أن يجلس في تراخ في الأبهاء بحكم عمله؛ ومع حبه للأدب كان نظره الضعيف يعوقه عن القراءة. وفي شبابه كان في سن تؤهله للاشتراك في الحرب الفرنسية الألمانية عام ١٨٧٠، ولكن نفوذ من يهمهم مستقبله الأدبي كان سبباً في تعيينه في قسم المؤونة بعيداً عن معمعة القتال. وكان كبسترندبرج يحتقر النساء، ولكنه لم يكن يستطيع العيش دونهن

وكان في أسرته جنون وراثي؛ فبعد أن أصيب أخوه في قواه العقلية ثم موته، علم موباسان أنه محكوم عليه بتلك النهاية، وكانت حالته معقدة، وأغلب الظن إنها لو فحصت في البداية لكان في الإمكان إنقاذه. ولن يعادل ما وضع من السخريات في قصصه تلك السخرية التي إصابته في السنين القلائل الأخيرة من سني حياته، حينما انحطت قواه العقلية بسرعة. وحقاً لقد كان استمراره في الكتابة نتيجة لأرادته الحديدية وقوته الشديدة!

وفي ذات يوم وهو يغادر مكتبه التفت فابصر نفسه مازال جالساً إلى مكتبه هذا، وزادت أخيلته سوءا وأخذت أشكالاً مخيفة؛ ولم يكن هناك أمل بعد؛ غير أن الساخر الذي لم يكن يعتقد في فضيلة من الفضائل ظل يغالب الأمل، وفي الدرجات الأخيرة من مرضه كتب إلى أمه يخبرها أنه في تحسن ظاهر: فالعقل في داخليته مازال يستطيب الحياة ويقدر الشمس والسباحة والرياضة

<<  <  ج:
ص:  >  >>