للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحاول بمعونة فرانسوا خادمه الأمين الذي ظل سنوات عدة صديقه المخلص أن يفر من النساء المعجبات به اللاتي لم يتحققن أنه هالك، ولاسيما إحداهن وهي امرأة غامضة؛ وقد حاول بعد زيارة فجائية منها أن يطلق الرصاص على نفسه، لكن فرانسوا اليقظ كان قد اتخذ الحيطة فأخرج الرصاص من الغدارة. وبعد محاولة أخرى للقضاء على حياته نقل إلى مستشفى المجانين حيث ظل في راحة لا يذكر شيئاً ولا يحس شيئاً سوى تلك التأملات المبهمة التي يراها من فقد قواه العقلية بلا أمل

فنه:

لو طلع إنسان على نخبة من قصصه دون إلمام بالتواريخ والأحوال والنظريات، لاستطاع دون عناء أن يستنتج أنه كتب حين كانت مرارة الهزيمة في حرب السبعين ما زالت تلقى على فرنسا ظلاً عبوساً، وأنه كان رجلا مكنته وسائله وأخلاقه من الاختلاط بالأوساط الخاصة إلا أن النصيب الأعظم من عطفه الغريزي كان للفلاحين والفقراء، وأنه كان مشغولا بمعضلة البغاء، وأنه مع كل عظمته كفنان كان في استثماره تلك المعضلة لمؤثرات عاطفية ظاهرة يهبط أحياناً إلى درجة الإسفاف

وقصص موباسان جيدة. فالموضوع جذاب مشوق حتى ليجذب الانتباه لو حكي على مائدة الأكل، وهذه ميزة يعتد بها، فمهما كانت كلماتك متقطعة، وسردك فاتراً ضعيفاً، فلن تخفق في إثارة اهتمام سامعيك إذا قصصت عليهم القصة العارية في (بول دي سويف) أو (الميراث) أو (القلادة) فهذه القصص لها بداية ولها وسط ولها نهاية. فليست تهيم في خط متردد لا تستطيع أن تعرف أين تنقاد، ولكنها تتبع من المقدمة إلى النهاية منحنيا قويا جريئا

وربما خلت قصته من المعنى الروحي. ولم يرم موباسان إلى ذلك، فلقد كان ينظر إلى نفسه كرجل عادي. ولم يدع الفلسفة وحسنا فعل، لأنه حين يندفع في التأمل يصبح سطحياً. ولكنه مبدع في حدوده. وحقاً لقد كانت له مقدرة عجيبة في خلق أشخاص يزخرون بالحياة؛ وقد يضيق بالإيجاز، ولكنه يستطيع في صفحات قلائل أن يعرض أمامك ستة من الرجال في صورة واضحة حتى إنك لتعرف كل ما تحتاج عنهم فضلاً عن أن حدودهم ظاهرة، ومزاياهم واضحة، وأنهم يتنسمون أنفاس الحياة، وقد خلوا من التعقيد ومن التردد ومن المفاجآت ومن الغموض الذي نراه في الآدميين

<<  <  ج:
ص:  >  >>