لا ينبغي للعاقل أن يكون قاسياً على نفسه فحسب، ليكن قاسياً على الآخرين أيضاً لا يحفل بهدوء ولا بسلام؛ هو يدرك أن الإنسانية لا تنشط نحو غاية معينة معلومة؛ ولكنه يرى كل شيء في استحالة وتطور؛ يرى من واجب الحياة نفسها أن تعمل على أن تفوق نفسها، ويدرك أن الإنسان ليس من حقه أن يعلل نفسه بأنه بلغ المرفأ سالماً. ليكن كل سلام عنده ذريعة لحرب جديدة، ولتكن حياته طافحة بالحوادث العظام؛ هو لا يتحرى عن السعادة ولا يجهل أن الفرح والحزن هما توأمان متقارنان. وفي استطاعة الإنسان أن يجوز الحياة بدون فرح كبير يعروه، أو شقاء كبير يغزوه، على أن ينقص من قوة حيويته. أما الذي يريد أن يتذوق الأفراح الكبيرة فمن واجبه أن يعرف الأحزان الكبيرة، إذ كل ارتجاج في ناحية يقابله ارتجاج في ناحية أخرى. (أما خالق القيم المؤمن بالحياة، من يريد الحياة عنيفة قوية ما شاءت القوة، فهو يريد أن تكون الارتجاجات واسعة حول نقطة الموازنة؛ يريد أن يعرف القمم العالية للسعادة والشقاء. يريد أن يعرف الانتصارات المسكرة والهزائم الشنيعة. يجب عليه أن يمشي في وقت واحد إلى النصر والى الاندثار. وزرادشت نفسه قد هلك حين بلغ (قمة) وجوده. والسوبرمان هو - في وقت واحد - الظفر اللامع والاندثار القوي للإنسان.
وبينما ينبغي للعاقل أن يكون قاسياً على نفسه، لا يلتوي إزاء الألم، ينبغي له كذلك أن يكون قاسياً على الآخرين؛ هنالك مصائب وآلام يُعد مخففها فاقداً للإنسانية، وهنالك منحطون ناقصون، جاءوا الحياة اختلاساً، فلا يجوز تأخير فنائهم!.
يقول زرادشت:(في كل مكان ترن أصوات الذين يعظون بالموت، والأرض مفعمة بالذين يجب أن يوعظوا بالموت، أو (بالحياة الأبدية) حتى يقلعوا عن الحياة سراعاً. وللمتشائمين