[ليلى المريضة في العراق]
للدكتور زكي مبارك
(بقية المقال الحادي والعشرين)
وفي وادي السلام يقول الأستاذ علي الشرقي:
ثلاثون جيلاً قد ثوتْ في قرارةٍ ... تزاحم في عُرب وفُرس وأكراد
ففي الخمسة الأشبار دُكَّتْ مدائنٌ ... وقد طُوِيتْ في حُفرة ألف بغداد
عبرت على الوادي وسَفَّتْ عجاجةٌ ... فكم من بلاد في الغبار وكم ناد!
وأبقيت لم أنفض عن الرأس تربهُ ... لأرفع تكريماً على الرأس أجدادي
وكذلك كان الدخول إلى النجف من باب السلام، أي الموت!
وبحثت عن فندق فكان فندق السلام فتشاءمت، ثم أسلمت نفسي إليه، لعلمي بأني صائرٌ لا محالة إلى السلام، أي إلى الموت!
ثم رأيت فندق السلام بالنجف شبيهاً بأخيه فندق السلام في حيّ سيدنا الحسين بالقاهرة. رأيت الناس ينامون زرافات في حجرة واحدة، فأخذت أمتعتي وانصرفت، وذهبت إلى فندق ثان فرأيته أعجب من الأول، فمضيت إلى ثالث فرأيته أغرب من أخويه، وانتهى بي المطاف إلى غرفة حقيرة في فندق حقير هو أعظم الفنادق بالنجف
ولعل الفنادق كانت كذلك لقربها من وادي السلام، فهي تروض المرء على قبول الدفن مع من يعرف ومن لا يعرف، وتقرَّب إلى ذهنه صورة المساواة في دنيا الأموات
كان غبار السفر الذي دام أكثر من أربع ساعات آذاني، وكنت أحب أن أصلح من شأني في الفندق لأستعد لمقابلة البهاليل من آل ليلى، فلم أجد في الفندق ما يسعف، ولكن لا بأس فسيعلم النجفيون بعد ساعات أني نزلت في فندف فيغضبون ويقولون (هذه فضيحة) وينقلون أمتعتي إلى منزل أحد الأصدقاء
وعندئذ أتذكر أن النزول في الفندق كان عند أهل العراق علامة من علائم المسكنة، يشهد بذلك قول الشاعر القديم
يا أيها السائل عن منزلي ... نزلت في الخان على نفسي
آكل من خبزي ومن كِسرتي ... حتى لقد أوجعني ضرسي