في بيت العلم والدين، وبين مظاهر الورع والتقوى، ولد أعظم الشعراء الصوفيين، جلال الدين الرومي بن بهاء الدين سنة ٦٠٤ بعد الهجرة النبوية في بلخ من بلاد الفرس. وكان أبوه من أكابر علماء الدين في بلاط خوارزم شاه حاكم المدينة، ودرج الصبي في حجر والديه يشهد حلقات الدرس ويرى مظاهر الإجلال والإكبار تحف بوالده، فنشأ مشغوفاً بالعلوم وخاصة ما كان متصلا بذات الله تعالى.
ورأى الحاكم ما عليه من مظاهر الورع والتقي وانصياع الناس له وإطاعتهم لأمره، فداخله منه حسد وحقد وأضمر له السوء، وبلغ ذلك بهاء الدين، فعزم على الرحيل. وفي جوف الليل وقد آوى الناس إلى مضاجعهم يطلبون الراحة من عناء العمل، ويبتغون الهدوء من نصب النهار، خرج بهاء الدين بأسرته خائفاً يترقب. ورأى أن أول شيء يفعله، أن يحج بيت الله الحرام ويزور القبر الشريف يستمد العون من صاحب البيت وساكن القبر، وبينما الركب في الطريق التقى بالشاعر فريد الدين العطار، فلما رأى جلال الدين توسم فيه خيراً، ولمح في عينيه بريق الذكاء، فدعا له بالبركة وأهدى إليه نسخة من كتابه (أسرار نامه).
وفي البيت العتيق مكثت الأسرة ما شاء لها الله أن تمكث، ثم خرجت تطوف بأرض الله، حتى ألقت عصا التسيار في قونية ببلاد الأناضول وكانت تسمى إذ ذاك بلاد الروم، وهذا سبب تسميته الرومي. وفي المقر الجديد جلس والده يعلم الناس كما كان في بلخ.
وكان لمقام الصبي في مكة ولمن لقى هناك من رجال الدين وهيامهم بحب الله أثر كبير في نفسه، فظهرت عليه علامات الورع ولما يزل صبياً لم يبلغ مبلغ الفتيان.
وفي قونية سمع بالشيخ برهان الدين الترمزي، فذهب إليه وتلقى عليه مبادئ التصوف وبدأت نفسه تتفتح إلى الآفاق العليا، تفتح الزهرة تخللتها أشعة الشمس، فقد صادف علم التصوف وكلام المتصوفين هوى من نفسه فأنكب على دراسته. ولما قبض والده، رحل إلى حلب ودمشق وغيرها من بلدان الشرق، ليتزود من العلم ما تتوق إليه نفسه ويهواه