قلبه، وطاف بهذه البلاد يزور علماءها ويسمع من نساكها، ثم عاد إلى قونية مرة أخرى، ليجلس مجلس والده في حلقات العلم.
وسمع شمس تبريز الصوفي المعروف، أن في قونية صوفياً مبتدئاً يتألق بالحب الإلهي، فوصل إليه ليدله على الطريق الصحيح ويمهد له سبيل الوصول. وأتصل بجلال الدين، فأتخذه جلال الدين مرشده الروحي، وما زال شمس تبريز ينفخ في هذه الجمرات المتقدة من الحب ويزكي ضرامها حتى جعلها شعلة نيرة، ولازم كل منهما الآخر وقتاً طويلاً، وشغل جلال الدين بمرشده، فنقم تلاميذه على شمس تبريز لأنه حرمهم أستاذهم فأجبروه على قونية ليخلو لهم جلال الدين، ولكن هيهات فقد أستأثر به شمس تبريز وقت وجوده وسحرته تعاليمه بعد فراقه، فزم داره وخلا إلى نفسه يبحث عن طريق الوصول إلى الذات العلية.
وشرح جلال الدين مذهبه الصوفي وأوضحه فيما ألف من شعر غنائي بالغ في الرقة والعذوبة. ويتميز شعره بسمو الفكرة وجمال الأسلوب وإشراق الديباجة ووضوح الخيال مما أكسبه روعة وجمالا.
وجمع ما نظمه في دواوين سمى أحدهما (ديوان شمس تبريز) لأن معظمه كان مما أوحى به إليه مرشده الروحي فسماه بأسمه؛ والآخر (المنثوى) وهو قصيدة واحدة كبيرة، قيل إن نظمها أستغرق أكثر من أربعين سنة، وأنها جمعت في ستة كتب، وفي هذه القصيدة صور مبتكرة متعددة تجمع بين رشاقة الأسلوب ودقة الصنعة.
وحب الروح، والعمل على الأتحاد بذات الله تعالى، والتخلص من شوائب النفس وأدراتها هو بيت القصيد في تعاليمه. فالحب يخلص أصحابه من الغرور والصلف، ويرى فيه الدواء الماجع والطبيب المداوي لأمراض النفس وعلاتها، والإيمان الخالص مصدره الحب، لأن المحب إذا أتحدث روحه بمحبوبة أغفل نفسه وأهمل شأنها وشغل بمن أحب، ولا يضيره أن يتحمل المكاره ويستعذب الآلام ويصبر الإجن لإرضاء محبوبه، ولا يزال هذا حاله من السعي والجهاد حتى تفنى نفسه في محبوبه ويصبح جزءا منه.
فإذا وصل إلى درجة الفناء فقد وصل إلى الكمال، وبذلك يبعث بعثاً روحياً جديداً فيحيا الحياة الخالدة، ويصبر جزءاً من المحبوب فيبقى إلى الأبد. وفي ذلك يقول (فأختر حب