للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مع أبي تمام في آفاقه:]

قصيدة النار

- ٤ -

للأستاذ محمود عزت عرفة

تتمة

. . . وثالثة القصائد التي أنشأها أبو تمام في الأفشين هي هذه لرائية الهاجية الشامتة التي لا تزال موضوع حديثنا. ولقد كانت أبياتها في وصف النار والمصلبين موضع العجب والإعجاب - كما رأينا - لدى القدماء والمحدثين جميعا. ذلك أنها تصوير مبتكر دقيق، لمنظر لنا أن نعده مبتكرا دقيقا أيضا، بما لابسه من هول المشهد وروعته، مشوبا بفرحة النفوس لهذا النصر المتتابع يمثله الخليفة لأبناء سامرا في جثث أربع، لأربعة من رؤوس الكفر والخلاف وأهل العداوة للإسلام هم: بابك الخرمي، والمازيار بن قارن، وناطس الرومي نائب عمورية، وحيدر الأفشين. إنه المشهد الذي قرت العيون بما تنظر منه، وهشت الأسماع لما تسمع عنه، وتلقت القلوب منه البشرى تبهجها فتطغيها، وأعلنت له الشماتة التي كانت في شرعة الفضيلة عاراً، فأصبحت بعد مما يرحض به العار. . .

يا مشهدا صدرت بفرحته إلى ... أمصارها القصوى بنو الأمصار

رمقوا أعالي جذعه فكأنما ... وجدوا الهلال عشية الإفطار

واستنشقوا منه قتاراً نشره ... من عنبر ذفر ومسك (داري)

وتحدثوا عن هلكه كحديث من ... بالبدو عن متتابع الأمطار

وتباشروا كتباشر الحرمين في ... قحم السنين بأرخص الأسعار

كانت شماتة شامت عاراً فقد ... صارت به تنضو ثياب العار

ثم يعود أبو تمام فيستعرض وجوه النعم التي حظي بها الأفشين في ظل المعتصم، فهو قد أحله من قلبه مكانة لا تنفذ إليها مؤثرات الأحداث، وأرتعه من العيش الهنيء في أطيب مرتع، وبوأه جانب الأمن والسلامة من أن يتقلب عليه قلبه، أو تأخذه بوقيعة يده؛ لأنه كان يطمئن إليه أكثر مما يطمئن الأب الكريم إلى أبنه البار. ثم ماذا؟ ثم تكشف الأفشين فجأة

<<  <  ج:
ص:  >  >>