للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

دموع صغيرة

للأديب محمد أبو المعاطي أبو النجا

كان (رأفت بك) يغادر المحطة واضعا يديه في جيوب معطفه الصوفي الثمين وقد رفع ياقته حتى تلتف حول عنقه، فقد كان الجو شديد البرودةوالريح سريعة الهبوب. . وكان بين آن يلتفت خلفه يستعجل الحمال الذي يحمل حقيبته بكلمات مقتضبة. وكان الحمال أو بعبارة أدق الصبي الذي يحمل الحقيبة في الثامنة من عمره؛ وكان يعدو خلفه بخطوات سريعة وهو يشعر بنشوة تدفئ جسمه وتسعد خواطره. . فهو يأمل خيرا في ذلك الأفندي الأنيق. . سيعطيه ثلاثة قروش من غير شك؛ فمظاهر الثراء التي تلوح عليه تحمل (حسونة) على أن لا يتنازل عن هذا المبلغ، وهو مبلغ لا بأس به. سيستطيع أن يشتري (سندوتش) بقرش ويذهب بالباقي إلى السينما وهكذا يكون مثل محروس الذي لا يفتأ يفخر عليه بأنه يذهب إلىالسينما، ويشاهد (الشجيع) وهو في إمكانه أن يجمع نقودا كثيرة ويذهب بها إلى السينما كل مساء مثل محروس، لولا أن بقية الحمالين يسبقونه إلى أمتعة الركاب فهم أقدر منه على السير وسط الزحام، وهم أبرع منه في ركوب القطار أثناء سيره فيقومون بتنزيل أمتعة المسافرين، وبذلك يكون لهم حق المساومة فيها وهكذا يبقى هو تحت رحمة الظروف. وقد أوشك اليوم أن يمضي دون أن يحمل شيا لأحد لولا أن ساقت إليه الأقدار ذلك الأفندي الأنيق الذي ينزل من القطار دون أن يساعده أحد في إنزال حقيبته. هو الآن سعيد من غير شك؛ ففي إمكانه شراء (السندوتش) وما دام الوقت عصرا فيمكنه أن يكتفي به عن العشاء، وفي إمكانه أيضا أن يذهب إلى السينما فيرى (الشجيع) ويتعلم منه كيف يقفز إلى القطار أثناء سيره، وكيف يشق طريقه وسط الزحامببراعة وقوة، بل كيف يتغلب على محروس نفسه حين يساومه على حقيبة أحد المسافرين.

أليست هي تلك الأشياء التي تعلمها (محروس) من (الشجيع) والتي يفخر بها دائما على (حسونة)؟. . .

وكفت طيور أحلامه عن التحليق حين وقف (رأفت بك) أمام محل بيع لعب الأطفال؛ فقد نسى لكثرة مشاغله أن يشتري شيئا منها لأبنائه من القاهرة، وهو لا يستطيع أن يدخل

<<  <  ج:
ص:  >  >>