(كان شعاري منذ ولية وزارة المعارف ألا تشتري الوزارة كتبي حتى أخرج منها، وتقدمت في ذلك إلى أعواني فأنكروه ولكنهم أذعنوا له. حتى إذا سافرت إلى أوربا في إبريل الماضي وناب عني في الوزارة زميلي معالي عبد الفتاح الطويل باشا اشترت الوزارة بعض النسخ من طائفة من كتبي لمكتبات المدارس وأعدت قراراً بشراء كتابي (الوعد الحق) و (رحلة الربيع) ليوزعا على التلاميذ، فلما رجعت من أوربا أثناء الصيف عرفت ذلك فغضبت منه أشد الغضب. وكانت إجراءات كتابي (الوعد الحق) و (رحلة الربيع) لم تتم، فأمرت بوقفها وألغيت قرار الزميل عبد الفتاح باشا. أما صفقة الكتب التي اشتريت للمكتبات فكانت قد تمت، ولم أجد غلى إلغائها سبيلاً إلا أن أرد ثمنها إلى الوزارة وأعتبرها تبرعاً مني للمكتبات. وأقسم لو ملكت ثمنها ما ترددت في ذلك؛ ولكني أعيش بمرتبي راضياً بما قسم الله لي، وأقسم لو كان لي في ثمن هذه الكتب نصيب ما ترددت في اقتراضه ورده إلى الوزارة، ولكني أبيع حقوق الطبع للناشر وأقبض ثمنها مقدماً، وأترك الناشر يوزع كتبه كما يشاء أو كما يستطيع. وإن آسف لشيء لأن عملي في الوزارة يمنعني من تأليف الكتب وبيع حقي فيها مقدماً للناشرين. ومع ذلك كله فما أظن أن وجود هذه الكتب في المكتبات في متناول المدرسين والطلاب، يضر أولئك أو هؤلاء، أو لا ينفعهم).
ذلك جزء من حديث معالي الدكتور طه حسين باشا الذي أفضى به إلى الأستاذ كامل الشناوي فنشرته (الأهرام) يوم الأحد الماضي، وهو يلخص لنا القصة التي أثيرت حولها عجاجات ملونة بالحزبية السياسية، ولهذا أتجنب الخوض فيها. إنما يعنيني هنا الظلم الصارخ الذي يصبه الدكتور طه حسين باشا وزير المعارف على مؤلف الأيام وعلى هامش السيرة وذكرى أبي العلاء وحديث الأربعاء والوعد الحق و. . . الخ. بل أقول إن هذا الظلم لا يقف عند ذلك المؤلف، بل يمتد إلى آلاف الناشئين في المدارس إذ يحرمهم تلك الوجبات العقلية وما تحتويه من فيتامينات الأدب والفن.